مصر أم الدنيا وأرض الأنبياء
بقلم الكاتب : مصطفى كمال الأمير
"ادخلوا مِصر إن شاء الله آمنين" إحدي الآيات الخمسة عن مصر والمذكورة في القرآن الكريم والتي جاءت علي لسان النبي يوسف الصِديق داعيًا إخوته أبناء يعقوب وقومُه من رُعاة البدو للإقامة والاستقرار في مصر، بعدما عانوا من القحط والجفاف بالبادية فأقاموا في عِز مصر وخيرها حتى ظلمهم فرعون ثم الخروج منها هربًا " مع ذهب كافي لصناعة عجلهم المقدس ابيس" مع كليم الله موسى وأخيه هارون في الخروج الكبير exodus والمثبت بكتابهم المقدس التلمود مع الوصايا العشر التي تلقاها موسي بجبل الطور في سيناء.
ثم عصيانهم لموسي بتخاذلهم عن القتال معه وعقاب الله لهم بسنوات الشتات 40 سنة في صحراء سيناء حول عيون موسي الاثنا عشر عدد أسباط بني إسرائيل ورزقهم الله طعام المَن والسَلوي حتر لايموتوا من العطش والجوع، إلى أن جاء النبي يوشع في جيل النصر فذهب لفلسطين وأنتصروا على جالوت ( جولياث ) وجيشه وأقام داوود الملك مملكة أورشليم.
ثم تبعه ابنه سليمان الحكيم لأربعين عامًاأخرى، وكان سبقهم بالقدوم إلى مصر من العراق أبو الأنبياء إبراهيم الخليل وزواجه من هاجَر المصرية وإنجابها لإسماعيل أبو العرب ورؤيا أبيه ابراهيم وكبش الأضحية.
ولذا فنحن أخوال العرب أبناء هاجر المصرية، ومن هنا أتت تسمية مصر بأم الدنيا لأنها أصل العرب وأصل الحضارة، ومن مناسك الحج السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواطأسوة بالسيدة هاجر أثناء بحثها عن الماء لرضيعها بوادي مكة وفيضان بئر زمزم تحت قدم ابنها إسماعيل آنذاك.
ومازال بئر زمزم يروي عطش وظمأ ملايين الحجاج والمعتمرين لآلاف السنين قبل وبعد الإسلام وحتى تاريخه في معجزة إلهية كبرى رأيناها بأم أعيننا وكانت معجزات العائلة المقدسة للعذراء مريم البتول وابنها عيسى المسيح باللجوء إلى مصر فرارًا من ظلم وقهر اليهود والرومان ومسار الرحلة معروف للأقباط وللباحثين، مرورًا بشجرة مريم بالمطرية في شرق القاهرة ووصوًلا لدير أسيوط وعبورها لنهرالنيللتحل البركة علي مصر بأصحاح الإنجيل مبارك شعبي مصر.
وفتح مصر في عهد الخليفة عمر الفاروق القائد الصحابي عمرو بن العاص فقط في 7000 من جيشه فلم يقم بقتل أو هدم كنائس الأقباط بل أمنهم دينهم ومالهم، ليُسلِم الكثير منهم لاحقًا حبًا للإسلام.
وقد زاد من القيمة الإستراتيجية لمصر حفر قناة السويس لربط البحرين الأحمر والمتوسط وبدأ الحفر في عهد الخديوي سعيد فأسس مدن بورسعيد ، بورفؤاد، بورتوفيق، وقد تم تسخير الآلاف من أجدادنا من الصعيد والدلتا للعمل تحت أِمرة الفرنسي فرديناند ديليسبس ليموت الآلاف منهم لقسوة طبيعة وطول ساعات العمل.
ثم افتتاحها أيام حُكم الخديوي إسماعيل وأنشأ الإسماعيلية وحضر حفل الإفتتاح ملوك وأمراء أوروبا والعالم، وبسببها تزايدت الديون علي مصر وكانت بداية إحتلالها من الإنجليز لمدة 70 عامًا بعد ثورة الزعيم أحمد عرابي 1881، ثم ثورة 1919 للزعيم سعد زغلول ثم خسارة الألمان والطليان للحرب في ليبيا ضد جيش بريطانيا والحلفاء في معركة العلمين.
لكن ظلت ألغامهم لتسقط ضحاياها حتي اليوم وعائقًا أمام التنمية بمصر، ولو كان قُدِر لقوات المحور وهتلر الانتصار لكان قد تغير وجه تاريخ مصر والعالم تمامًا بطرد الإنجليز من مصر ومنع قيام إسرائيل بعد حرب فلسطين 1948 ( لاحقًا ) بمبدأ عدو عدوي صديقي.
ولذا كان السادات علي إتصال للتنسيق مع الألمان، ثم جلاء الإنجليز عن مصر بعد ثورة يوليو1952 والعدوان الثلاثي عام 1956 بعد تأميم الزعيم عبد الناصر للقناة ش.م.م، ثم هزيمة ٥ يونيو1967 واستمر إغلاقها حتى حرب العبور أكتوبر1973 وأفتتحها الرئيس السادات للملاحة يوم ٥ يونيو1975 أيضًا لإزالة مرارة ذكرى النكسة.
أنجزت مصر والرئيس السيسي مشروع لقناة جديدة موازية للقناة الحالية يساعد في زيادة الاستفادة منها من ناحية عدد قوافل السفن المتجهة شمالًا إلى أوروبا وجنوبًا إلى آسيا وأفريقيا في أهم ممر ملاحي لناقلات النفط ، وتمر منه ٧٪ من تجارة العالم.
الفارق بين القناتين ، الأولى كانت سببًا مباشرًا في احتلال مصر، لكن الجديدة حررت قرار وسيادة مصر والمصريين بعد ثورة الشعب المصري في ٢٥ يناير2011 للإطاحة بنظام مبارك وانتخاب الإخواني مرسي كأول رئيس مدني كانت لديه خطة بتأجير القناة 99 سنة لمشيخة قطر قاعدة أمريكا ومندوبة فرنسا وبريطانيا لاستكمال المؤامرة التي ثار عليها شعب مصر في ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
واُسْقِط نظام جماعة الاخوان المجرمين الغير وطنية والمتاجرة بالدين، وكان المنقذ هو قائد الجيش المشير عبد الفتاح السيسي الذي تم انتخابه مرتين من الشعب للعمل علي البناء والإصلاح بمساعدة ابناء مصر وأصدقائها الذين حضروا قمة شرم الشيخ الاقتصادية لضخ الاستثمارات في سوق العمل.
وكما قال قديما المؤرخ اليوناني هيرودوت مصر هبة النيل، وهو قول عبقري رغم بساطته لتلخيصه علاقة جذور تاريخ مصر والذي يمتد إلى 7000 عامًا في عمق تاريخ الحضارة.
(مينا موحد القُطرين إلى السيسي )
مع جغرافيا نهر النيل بدءًا من هضبة الحبشة ودول أعالي النيل وبحيرة فيكتوريا إلى دول المَصَب وهي مصر والسودان في رحلة طويلة للنيل تقارب 7000 كيلومتر أكثر من ثلث هذه المسافة في مصر حتى التقائه مع البحر المتوسط في مدينة رشيد غربًا وميناء دمياط شرقًا.
وهناك مخاطر هائلة تواجه مصر تتمثل في مشروع سد النهضة في إثيوبيا التي بدأت واقتربت من نهاية الإنشاءات حاليًا للبدء في تشغيله، مع تدبير موارد تمويله من دول معادية لمصر بهدف استغلال تراخي وضعف الدولة المصرية أثناء وبعد الثورتين في يناير ٢٠١١ ويونيو ٢٠١٣.
الجدير بالذكر أن العالم يعاني من ندرة مياه الشرب لزيادة السكان وتلوث بيئة الأنهار وتفشي ملاعب الجولف !! وأحواض السباحة والأمطار الحمضية لتلوث الهواء بعادمات المصانع الملوثة للبيئة، كما تعاني أفريقيا أيضًا من الجفاف والمجاعة لزحف الصحراء علي العمران والزراعة ومناطق الرعي، أما في مصر فهناك سوء إدارة للثروة المائية والسمكية بدءًا من سواحل البحرين الأحمر والمتوسط إلى أكبر بُحيرة من صُنع الإنسان في العالم وهي بُحيرة ناصر بعد بناء السد العالي منذ نصف قرن بمساعدة هندسية لروسيا وزعيمها خروتشوف لتوليد الطاقة ومنع الفيضان بموسم الأمطار سنويًا ولكنه حجز الطمي وتماسيح النيل وصولًا إلى شاطىء النهر.
وهي التي نقوم باساءة استخدامها أفرادًا وجماعات بإلقاء كل أنواع النفايات الصلبة، ومخلفات المصانع والحيوانات النافقة، مما يساعد في نتشار أمراض الكَبِد والكُليَ وأيضا مرض الكوليرا القاتل والأمراض الوبائية الأخرى.
لأننا لم نتعلم شيئا من أجدادنًا بناة حضارة الأهرام العريقة بعد أن قاموا بتقديس نهر النيل والمحافظة علي نقائه، وتقديم القرابين له حسب أعتقادهم،
ومنها إلقاء أجمل فتاة في النهر أثناء عيد وفاء النيل.
فإننا اليوم نقوم برَدمُ نهر النيل للبناء عليه، ثم تجريف الأراضي الزراعية بأخذ طبقات الطمي الخصبة لحرقها في قمائن للطوب التي هي نفسها ملوثة للبيئة لاستخدامها المازوت والسولار لنبني بهذا الطوب مباني خرسانية صَماء علي أراضي زراعية كانت منتجة للطعام والشراب وصحية للإنسان والحيوان والبيئة علي حد سواء؟
ثم نغني لتخضير وزراعة الصحراء الصفراء !!.
أما الثروة الحيوانية فهي قصة أخرى، فأسعار اللحوم في مصر هي الأعلي عالميًا مقارنة بضعف الأجور، فنحن أساسًا في مصر دولة زراعية تنتمي لحضارة وادي النيل وهو بمثابة شريان الحياة لكل المصريين الذين فشلوا في إدارة بلادهم بعد الاستقلال عن الاستعمار القبيح، لكن هذا لا يبرر الترويج لعودته مع للملكية.
وبعدما كانت جودة القطن المصري (طويل التيلة) تغزو العالم عبر مصانع النسيج في أوروبا، فقد توقف الفلاح المصري عن زراعة القطن والقمح لقلة العائد ، وعدم تشجيع الدولة وتدهور بنا الحال فقد أصبحنا نعاني العطش علي ضفاف النيل ، وربما نعاني الجوع قريبًا بعدما خرجت جموع الشعب ثائرة تطالب بالخبز قبل الحرية والعدالة، بعدما أصبحنا نعتمد علي روسيا شرقًا وأمريكا غربًا لتوريد القمح للخبز اليومي لأفواهنا الجائعة بعدما كنا سلة غذاء العالم ومنارة للحضارة، فمن لايملك قوته لايملك حريته.


















