مذكرات مهاجر مجهول (9)

كتب/ د.أشرف يعقوب

و في عطلة نهاية الأسبوع عدت لتريفيزو و عزمنتا على العشاء صديقة لنا طبيبة قلب كنا قد استقبلناها هي و زوجها في القاهرة. 
عزمونا في مطعم شهير وسط المدينة الجميلة التي يسمونها "فينيسيا الصغيرة" لوجود قنوات مياه فيها ايضا. كان اسم المطعم "الوزة البيضاء"، و من عادة الإيطاليين إعطاء اسماء ظريفة للمطاعم حتى يسهل تذكرها. مثلا هناك مطعم "كل و انت ساكت" ، او مطعم "العشاء الأخير"، او مطعم "سفارة نابولي" و غيرهم . 
المهم قالوا لي هل تحب سمك الباكالوريا فقلت نعم ، و تذكرت عندما كانت تعمله جدتي لامي في طفولتي و كان جدي يشتريه مجففا ثم تنقعه جدتي ليومين في الماء ثم تطبخه. و لكن سمك الباكالا اختفى من مصر لأسباب مجهولة منذ سنين طويلة. وعدت نفسي بطبق سمك باكالا ، و بطعمه الرائع الذي سوف يعيد لي ذكريات الطفولة السعيدة. 
و وصل الطبق و لكني فوجئت بأن قطع سمك الباكالا مغطاة باللبن. نعم طبخوا السمك في اللبن في الفرن. 
فقلت للأصدقاء الذين انقضوا على أطباقهم من الباكالا اللبنية بنهم انني لا أستطيع اكل هذا الطبق. فبدا عليهم الاستغراب و احسست انهم جرحوا في كبريائم لان هذا الطبق يعتبر من أشهى الأطباق الايطالية و خاصة في منطقة الفينيتو. 
و شرحت لهم اننا في مصر نقول لمن عمل لخبطة كبيرة انه خلط اللبن بالسمك بالتمر هندي. و انني للاسف مقروف من هذا الخليط السمكي اللبني، و اذا كان من الممكن ان آكل شيئا آخر.
و الحقيقة ان الأكل قد يسبب مشاكل كبيرة لمن يسافر. ففي إيطاليا يطبخون الرز بطريقة الريزوتو، و هي وضع الرز على بصل مقلي ثم خلطه بالشوربة و تقليبه باستمرار حتى يستوي و يصبح عجينة او كما وصفه ابي "مثل قئ القطط" . و مع البصل الذي يقلى يضعون عادة خضار او لحوم او جمبري و احيانا قطع تفاح او  فراوله. و يختمون بوضع قطعة كبيرة من الزبد. 
طعم الريزوتو جميل و لكن منظره للمصريين في العادة غير مستحب. الريزوتو و الزبد هما من خصائص اكل أهل شمال إيطاليا ، اما الجنوبيين منهم فيحبون المكرونة و زيت الزيتون.
و من غرائب الأكل في إيطاليا ايضا انهم يأكلون ارجل الضفادع المقلية في الزيت و طعمها لذيذ زي طعم الفراخ. و كانوا يأكلون في شمال شرق إيطاليا حتى وقت قريب القطط و كانت تطبخ كالأرانب في الفرن (و  خاصة في منطقة فيتشينسا و التي يسمى أهلها (بآكلي القطط). و هم يأكلون ايضا القواقع و المحارات و الطحالب و الفطريات. و الأكل الايطالي عموما من اطعم و اصح الأكلات في العالم و انا اعتبره احسن طعام في العالم. و قد اختارت منظمة الصحة العالمية الوجبات البحرمتوسطية و خاصة الايطالية كأصح الوجبات في العالم.
  في الأسواق الايطالية و السوبرماركات تجد معروضة للبيعشب قطع من لحم الحمير و الخيول و النعام ، و هناك محلات جزارة مخصوصة للحوم الخيل ، و مطاعم مشهورة بتقديم لحوم الخيل المشوية.
و عندما كنا في نيروبي ذهبنا لمطعم خارج المدينة اسمه " الكارنيفوري" اي آكل اللحم، يمر عليك فيه الجارسون  بقطع، واحدة بعد الأخرى، من لحوم مختلفة. فتذوقنا فيه لحوم التمساح و الزرافة و الجنو ( حيوان يشبه الحمير) بالإضافة للحوم الحمار المخطط و سيد قشطه و الجاموس الوحشي، و غيرهم. و الكل يقدم مع صلصات حارة و حريفة و حمضية. و قد رأيت بعض الفتيات تجري بسرعة و  تتقيئ خارج المطعم بعد القليل من التذوق .
و في المكسيك كانوا يقدمون لحم الايجوانا و هو يشبه لحم الفراخ. و في السعودية يأكلون حيوان الضب، و هو حيوان شكله مقزز للغاية. 
اما عن الصين فحدث بلا حرج، فهم يأكلون كل ما يتحرك. و قد سمعت انه نظرا للمجاعات المتكررة في الماضي، كان من المعتاد ان تأكل الناس شوربة الطين بالبصل. و مشيت في شارع مشهور في بكين يمتلأ بالعربات التي تطبخ أنواع عديدة من الحشرات و الديدان بطرق مختلفة، و الرائحة التي تفوح في هذا الشارع لا تحتمل الا بصعوبة.  و الصينيون ايضا يأكلون الكلاب، و هي أكلة فخمة عندهم، بالإضافة لأكلهم للقطط و الخفافيش و الفيران. 
و الفيران تؤكل ايضا في العديد من البلاد الأفريقية، مشوية او محمرة. 
كنا ادفع لام صديقي ادواردو مبلغ ٣٠٠ الف ليرة في الشهر نظير اقامتي معها. كنت اصل في المساء و اجدها قد حضرت المائدة و بدأت في طبخ الريزوتو كما تفعل سيدات ميلانو ، و نأكل معا و نحن نشاهد نشرة الاخبار، ثم أقوم انا بغسل المواعين ، و هذا كان اتفاقنا. ثم تساعدني في دراسة اللغة الايطالية و هي كانت مدرسة في مدرسة ثانوية و ضليعة في اللغة الايطالية و علومها. 
كانت ايام سعيدة و تعرفت خلالها علي صحفي ايطالي يسكن معنا في نفس العمارة و كنا نتحدث كثيرا عن مصر و الشرق الأوسط و السياسة في إيطاليا و أوروبا، 
منه عرفت ان الصحافة في إيطاليا ليست حرة مئة في المئة، و حتى التليفزيون قنواته موزعة على الأحزاب المهمة، و ان الكثير من رجال الأعمال يملكون جرائد و قنوات تليفزيونية، و ابرزهم برلسكوني. و ان المافيا هي الأخرى لها يد في الصحافة، بل و في السياسة و الانتخابات ، و ان هناك اربع محافظات ايطالية تتحكم فيها المافيا بصورة كاملة تقريبا.