عيد الحب .. أدين بدين الحب
بهجت العبيدي المصريين بالخارجمن الصعوبة بمكان، إن لم يكن مستحيلا، أن يتم تغيير قناعة مجموعة من الأشخاص عن تصور سكن في مخيلتهم، خاصة إن كان هذا التخيل نتيجة لفتوى أطلقها شيخ حرّم فيها شيئا، حيث يتم، بسهولة نشر مفهوم الحرام، في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
إن مفهوم الحرام الذي يتغلغل في نفوس أبناء مجتمعنا لم يمنع من الإتيان بهذا الحرام، فنجد الغالبية في المجتمع تقوم به طواعية، ضاربة بعرض الحائط بفتوى الشيخ، التي ما تلبث أن تلقيها في وجه من يقول بحلة هذا الفعل، هذا الذي يعكس أن لدينا حالة تناقض، في جانب منها تعكس التشدد الذي يميل له مجتمعنا، وفي حانب آخر تعكس عدم التزامنا بما نتشدق به.
ذلك الذي ظهر جليا في سخرية العديد مما أطلقه مفتي الديار المصرية الأستاذ الدكتور شوقي علام من أنه يجوز الاحتفال بعيد الحب هذه السخرية التي تعكس انتصار فريق من المشايخ يحرم الاحتفال بكل شيء، في ذات الوقت الذي نتناقض فيه مع أنفسنا ونحتفل به، وكأننا لابد أن نرزخ تحت نيران المعصية، ونعيش في حالة من تأنيب الضمير ونحيى في عذاب الإثم، وقس على ذلك العديد من القضايا المستحدثة.
لعله من المناسب أن أعلن أننا - أعني أبناء الشرق - في حاجة إلى تغيير تلك الصورة الذهنية المغلوطة التي نقشت في أذهاننا عن الغرب؛ مرة باعتباره كافرا، وأخرى باعتباره قد تخلى عن القيم المثلى؛ تلك التي ندَّعِي حصريا امتلاكها، ادعاءً لا يصمد طويلا أمام التدقيق والتمحيص.
اقرأ أيضاً
- ”الهجرة” تهنئ أول مدرسة للجالية المصرية بكندا لحصولها على جائزة أفضل مدرسة خاصة للعام الثاني على التوالي
- وزير النقل : القيادة السياسية حريصة على استمرار عجلة العمل والانتاج
- من نحن - صحيفة المصريين بالخارج
- النباتات والأعشاب البديلة للأدوية
- "الهجرة" تطلق أول معسكر لأبناء المصريين بالنمسا عبر تطبيق "زووم"
- الملحق العمالي العمالية بأبوظبي تحذر المصريين من دفع أي مبالغ نقدية لفرص عمل وهمية
- القوى العاملة: تحصيل 32175 ألف درهم للعمالة المصرية بالإمارات
- خاص المصريين بالأردن: العمل الأردنية تطلق خدمة الـ 24 ساعة للرد على الاستفسارات العمالية
- رئيس ” نهضة مصر ” تفوز بجائزة المرأة العربية والمسئولية المجتمعية لعام 2020
- إسلام السويسي : مصر شهدت نهضة شاملة في جميع المجالات
- وزير الشباب والرياضة يلتقي رئيس مجلس القبائل والعائلات المصرية
- وزيرة الهجرة: لم ندخر جهدًا في حث الجاليات المصرية على المشاركة في الانتخابات
إنني أزعم زعما، هو لليقين أقرب، أن لدينا خلطا كبيرا بين مفهوم الحرية التي يُرَبَّى عليها الإنسان الغربي، وتخلصه من قيم الترابط الأسري، على سبيل المثال، فلا يعني أن يتمتع الابن بالحرية، تخليه عن التبجيل المعتبر للوالدين، اللذين يُنَشِّئان ابنهما على تلك الحرية التي تسمح له بمخالفتهما في الرأي، واتخاذ القرارات المدروسة، والتي يكون هناك تباين بين الأجيال المتعاقبة في أسباب اتخاذها، وذلك مدخل للرد على ما يُساق في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، كدليل لا يقبل شك ولا مناقشة، في أن التفسخ الأسرى - غير الموجود في الحقيقة - هو سبب ابتكار عيدٍ للأم وآخر للأب في بلاد الغرب " الكافر" والذي نحن لسنا في حاجة له حيث أن ديننا وصانا، ولا يعمل الأغلب الأعم بالوصية، بالوالدين إحسانا، ومن ثم فنحن لسنا في حاجة للاحتفال بمثل هكذا يوم "عيد" - والذي ما أحوجنا إليه - وإلا كنا قد شاركنا "الكفار" الاحتفال فأشركنا شركًا أصغر أو أكبر حسب ما تسمح به فتوى شيخ متسامح!! أو متزمت.
إن زعمنا بتفسخ العلاقات الأسرية لغيرنا من الأمم ناتج عن اختلاف لأسلوب وطريقة الحياة، فلقد ظل مجتمعنا مجتمعا أَبَوِيًّا ذكوريا، ولم يستطع أن يدرك أن في ذلك ضررا كبيرا للأسرة، يعود على المجتمع بمزيد من الأضرار، فعلى الرغم من الطاقة الهائلة لدى شبابنا، وكذلك نسائنا، فإن الكثير، بل الأغلبية الساحقة منهم لا يعملون، فالأسرة، التي لو افترضنا انها أخذت بالدعوات المنادية بتنظيم النسل، فإنها ستتكون من أربعة أو خمسة أفراد لا يعمل فيها إلا واحد فقط هو الأب، ولا تجد لدينا الشاب يعمل إلا بعد أن ينتهي من مراحل تعليمه وكذلك أدائه للخدمة العسكرية، إن عمل من الأساس، ذلك الذي لا يمكن أن تنظره عيناك في المجتمعات التي تطلق لأبنائها، من الجنسين، الحرية والعنان في التفكير، واختيار الطريق، ومن ثم يكون لديهم القدرة على اتخاذ القرار الذي هو الخطوة الأولى في الاعتماد على الذات.
إن هذا الخلط الذي ذكرته آنفا، ينسحب على كثير المجالات، وإنه لخلط متعمد في الأغلب الأعم، في محاولة مستميتة، لخلق روح معادية للآخر، والتي لا نتورع في إزكائها بكافة السبل، وعديد المبررات التي نلصقها لصقا بديننا الحنيف الذي نصوره في حالة رفض وبغض لكل ما يمكن أن يتشارك فيه الإنسان، في مختلف بقاع الدنيا، فنخضع كل ما يمكن أن يصبح فيه احتفالا إنسانيا لعقلية شيخ عاش في عصر غير العصر، وتعامل بقيم غير القيم، وإذا بنا، في ادعائنا للحفاظ على الهوية، نبني جدارا يعزلنا عن العالم، ونصنع حواجز تزيد الشقة بيننا وبين غيرنا من الأمم.
ومن المناسبات التي يحتفل بها العالم كل عام، في الرابع عشر من فبراير، أما مصر، فتحتفل بعيد الحب في تاريخه العالمي لكن أيضا بتاريخ 4 نوفمبر من كل عام، وبعيدًا عن أصل المناسبة التي قيل فيها أكثر من تأصيل، فإن العالم يحتفل بهذا اليوم إعلاء لقيمة الحب، وإظهارًا لمشاعر حفية بالتقدير، من خلال تبادل الهدايا المعبرة عما يملأ النفس من حب، أو إرسال بطاقات تعبر عما يختلج في القلوب من مشاعر، وكتابة عبارات تعكس حالة الوجد، التي يمكن أن يكون التعبير عنها قد تأثر في معترك الحياة.
لم يَسْلم هذا اليوم هو الآخر وهذا الاحتفال من محاولة إفساده، فيخضعونه مرة أخرى إلى عقول لم تعرف من الحب إلا تلك الصورة الشهوانية، والتي يظنونها دائما في غير محلها، فينظرون للمناسبة، وكأن المحتفل بها، قد غادر حظيرة الإسلام، وفارق الهوية الإسلامية إلى غير رجعة.
إن الاحتفال بمثل هذه المناسبات التي ابتكرها الإنسان الواعي لقيمتها، إنما هو لتجديد الطاقات، وخلق ظروف لإعادة علاقات الحب لحالتها الأولى، تلك التي تتأثر كثيرا بما يمر به الإنسان عبر عام من أحداث وظروف، ربما تحول بينه وبين التعبير عما يختلف في النفس من مشاعر فيأتي هكذا يوم ليكون مناسبة لإصلاح ما أفسدته صعاب الحياة، التي تدعونا للاحتفال بعيد الحب وغيره من الأعياد الأخرى.
وهنا نتساءل ماذا لو انتصر في فقهنا الإسلامي ما قاله الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي؟:
أدين بدين الحب أنَّى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني.
هذا الذي سنحاول الإجابة عليه في مقال لاحق.