الحياة تحت الضغوط... العدو الحبيب
بقلم : دكتور محمد بدير الجَلب
نشكو من الضغوط، ونتذمر من وجودها في العمل أوفي الحياة ، ويعلو صوتنا احتجاجًا على وجودها في حياتنا ، ونعرف أضرارها ومشاكلها الصحية والنفسية، ولكننا برغم ذلك نحبها لدرجة أننا لانستغني عنها ، إنها عندنا هي الداء والدواء، وإنها هي الحبيب والعدو في نفس الوقت.. كيف ذلك؟
إذا كان يوم معظمنا بلاضغوط قضيناه على السرير أو أمام شاشات التليفزيون أو مع شاشات الموبايل نتسامر أو ندردش ، ولم نهتم في استثماره مثلًا في تنمية قدراتنا أو مهاراتنا أو زيادة ثقافتنا ... وإذا كان مديرنا في إجازة ، قضينا يومنا في استرخاء وتأخير في الحضور وخروج قبل الميعاد، ولم نعمل بجدية على المشروع الذي سُلم إلينا من سنة.
وإذا كنا أصحاء لم نفكر في أن الجسم الصحيح يحتاج رعاية وعناية وصيانه حتى يستمر في حملنا، وإذا كنا تلاميذ وطلبة لم نذاكر ، ولم نهتم بحضور الدروس والمحاضرات لأن الامتحان بعد 4 شهور ونحن متعودون على المذاكرة ليلة الامتحان وبننجح. ونحن الأباء والأمهات نصرف مافي الجيب ولا نحوش وننسى اليوم الأسود اللي اتكلم عنه المثل "القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود".
ولكن إذا تغير الحال أصبحنا أكثر نشاطًا وحيوية، ليس بسبب جينات النشاط التي زُرعت فينا فجأة، ولكن بسبب الضغط الذي وقع علينا بأيدينا، وتسبب في رفع حالة الطوارئ واشعال اللمبة الحمراء في حياتنا، فأصبح الطالب الذي كان يقضي طوال ليله يلعب ويدردش على الفيسبوك لاينام ولا يترك كتابه لأن الامتحان بكره أو بعد بكره ولا يجد حتى وقت يحلق شعره، وتجد الموظفين يستمرون في أعمالهم بعد الدوام لأن وقت تسليم المشروع بعد أسبوع، ونجد المريض الذي ذاق ألم المرض يداوم على الرياضة وينضم إلى الجيم.
ونجد الأب والأم (إذا جاء اليوم الأسود) يدخلون جمعيات ويمسكون أيديهم فلا يصرفون إلا في المهم جدًا، لانهم لم يدخروا شيئًا.
إن السر في هذا النشاط الذي دب في كل هؤلاء فجأة سببه الضغط الذي أصبحوا تحت سيطرته ، فتحولوا إلى النشاط والالتزام والحيوية ، وأصبحوا أكثر اهتمامًا بوقتهم وصحتهم ومستقبلهم، وبرغم أن هذا الضغط يكون شديدًا في مراحل كثيرة لدرجة أن من يقع تحته قد لايعرف الراحة أو النوم ، أو قد يصاب بأمراض عصبية وجسدية أو بتوتر.
إلا أن عاداتنا الموروثة لا تعرف التخطيط للمستقبل القريب أو البعيد ، فلا نعمل إلا تحت الضغوط مهما كانت مُرْهِقة ، ولا نتعلم من الدرس ، فنعاود نفس السيناريو بمجرد انتهاء الحالة... ونعيش الحياة تحت الضغوط.


















