متى..وكيف نفهم الآخر ؟
بقلم : د.أحمد سماحه
كيف نفهم (الآخر) الذي يريد أو (نريد) أن نعيش معافى سلام؟
إن السلام لايعني هنا وبمفهوم (الآخر) وبإرادة القوى المحيطة بنا والمتغيرات العالمية ، نبذ العنف أو وقف استخدام القوة واللجوء إلى الحوار ولكنه يعني ماهو أكثر ، يعني أن تكون حدودي مفتوحة لاستقبال الأفراد والبضائع والثقافات.. وغيرها أو ما يطلق عليه اجمالًا (التطبيع) ويعني أن هناك متغيرًا سيحدث في أنماط العلاقة والوعي والفهم وأن هناك ما يسمى (بالتواصل) بمفهومه الاشتقاقي الذي يشير إلى تعميم رمز أو علامة أو شيء ما وجعله مشتركًا بين مجموعة من الأفراد ، ومن هنا فإنه يمكن أن يأخذ مظاهر متعددة منها تبادل الكلمات أو الخدمات أو الممتلكات.
والسلام (أقصد التواصل إن تم) بيننا وبين إسرائيل سيكون له صيغة خاصة تختلف عن سلامنا المذعن مع الغرب تتمثل في التجاور وفي فرض التطبيع كشرط أساسي ورئيسي للسلام.
ولي هنا ان أطرح بعض الأسئلة إلى حضرة المثقف العربي بصفته منتجًا للفكر والمعرفة يمثل الطرف المرسل والمتلقى في آن.
ماذا تعرف عن إسرائيل؟ واذا كانت المعرفة لاتتجزأ إلا من أجل البحث والدراسة فدعني أقول كم من المثقفين العرب يعرفون (العبرية) ؟ وكم منا يعرف الاتجاهات الرئيسية للأدب العبري وعن الشخصية اليهودية الحديثة التي نتعامل معها الآن؟ وما هي الإشكاليات الفكرية التي تسود وتهيمن على المجتمع اليهودي؟ ما هي أوجه الاهتمامات التي يوليها المفكر أو الأديب أو المثقف اليهودي؟ إلى أي مدى وصلت التكنولوجيا والتقدم العلمي وفي أي المجالات تصب؟السينما الاسرائيلية، المسرح الاسرائيلي ـ الصحافة المجلات الأدبية ، الشعر ، القصة ، الرواية ، النقد التاريخ..آلاف الأسئلة تحتاج إلى إجابات.
فنحن بدعوى العداء مع إسرائيل أغلقنا كل المنافذ (أمام المعرفة، رغم أن الحضارة العربية في أوج ازدهارها عملت على معرفة (الآخر) الصديق والعدو وفهم وترجمة أفكاره، والفكر العربي أسس لنمط تواصلي مع الآخر والتواصل الفعال مع الذات ومع الغير لايحصل في إطار سلطة ماضوية أو في سياق منطق القوة.
إننا مطالبون بفهم ومعرفة (الآخر) اليهودي بوعي ـ مطالبون بأن نترجم أفكاره وكتبه ومشروعاته المستقبلية تجاهنا وتاريخه وحاضره.أن تفتح عقولنا وقبلها (حدودنا) لهذا الفكر لاكمذعنين ولا خاضعين له ثقافيًا ولكن كدارسين ومحللين له.
إننا ندعو جامعاتنا وأنا اعرف أن بعضها قد خصص أقسامًا لدراسة التاريخ والفكر اليهودي أن لايظل هذا الفكر حبيس التداول الأكاديمي وأن يخرج إلى المثقفين.
وأدعو إلى حركة ترجمة تتناول بوعي وباقتدار وبانتخاب ما يؤكد أو يضيف معرفتنا بهم بدءًا من علم الاجتماع وانتهاء بالأدب.
منذ وقت طويل وأنا اعرف أن إسرائيل تترجم كل إبداعاتنا ، وتبث تراثنا الشعبي وأفلامنا، ومسرحياتنا وتدرس التاريخ العربي في مدارسها، والشخصية العربية والفكر العربي والكتب العربية والمجتمع العربي.. إلخ وهم يعرفون أننا العدو الوحيد لهم، ومن مقومات النصر أن تعرف عدوك جيدًا.
لقد ضعنا في صحراء سيناء عام 1956م ، وعام 1967م لأننا لم نعرف جغرافية ولاطبوغرافية أرضنا، بينما كان لدى كل جندي أو ضابط يهودي فكرة وافية ومعرفة وخريطة لكل الطرق والآبار والمسالك والآثار والنجوع.. وغيرها ، إضافة إلى طباع وعادات بدو سيناء وكيفية التعامل معهم!!
إنني اكرر الدعوة لكل من يملك القرار والقدرة على منحنا المعرفة والوعي أن يفتح أمام المثقف والمفكر والسياسي والاقتصادي والعالم وغيرهم باب المعرفة.
ولن أذكركم بأنه في اجتياح إسرائيل لبيروت عام 1982م عملت جاهدًة على ألا تصيب مدافعها ونيرانها مبنى مركز الدراسات الفلسطينية ـ لا لشيء سوى أن تحصل على وثائقه ومراجعه، وقد كان لها ما أرادت وحُمِلَت الشاحنات المراجع والوثائق والمخطوطات والكتب إلى إسرائيل.
فقد كان لهذا المركز دوره الهام في قراءة ودراسة ونشر الفكر اليهودي وهذا ما أرقهم كثيرًا ، فهل نعيد لهذا المركز دوره ونقيم إلى جانبه مراكز أخرى لنعرف مع من سيكون السلام وكيف سيكون إن كان؟


















