مبارك...بين الغضب والتسامح
بقلم : د.محمد بدير الجَلب
أظهر موت الرئيس حسني مبارك معدن الشعب المصري العميق ، فبرغم الانقلاب الذي أطاح به وثورة الغضب الذي عزلته ، والأقلام التي ارتفعت ضده ، والأصوات التي بحت تطالب بتنحيته ، إلا أن لحظة وفاته كانت فارقة بين كل هذا الغضب وبين التعاطف الذي حظي به.
فالكثيرون ممن طالبوا بالإطاحه به وتنحيته ، ورفضوا وجوده على السلطة هم اليوم بعد وفاته مشيعون له ، ومن طالب بمحاكمته يطلب له اليوم المغفرة من الله. ولم يكن ذلك تناقضًا في الشخصية المصرية، أو عدم وعي ، ولكنه كان تعبيرًا عن مشاعر طبيعية تدخل في نسيج الشخصية المصرية، تجمع بين الرحمة والعطف والتراحم والتسامح.
وأصبح مبارك في ذمة الله ، قبل أن يكون في ذمة التاريخ ، فقد برأته المحاكم في الدنيا من الاتهامات التي وجهت له ، ولم تُثْبت ضده شيء مما قيل عنه من ثروات منهوبة أو شراكات مالية، وبرأت قوانين الدنيا ذمته المالية، والآن هو بين يدي الله الحكم العدل ، والله أعلم بما كان ، وبما أخذ مبارك وما لم يأخذ ، ولأن الأمر بيده سبحانه وليس بيد بشر فقد توقف المصريون عن بغضهم وعن اتهاماتهم وعن محاكمتهم له. ولأن الله يدعو إلى المغفرة والتسامح فقد رفع الكثيرون أياديهم بالدعاء له بالمغفرة والرحمة.
ولأن مبارك أصبح الآن في ذمة التاريخ ، يكتب عنه مايشاء، وهي مهمة ليس للشعب يد فيها. ولأنها قراءات ومشاهدات وكتابات مؤرخين يجتهدون فيصيبوا أو يخطئوا ، فأحس المصريون بوعي أو بدون وعي أن مثل هذه الأحكام التاريخية ليس محلها الآن، ولكن محلها بعد سنين تطول أو تقصر، ولذلك لم يهتم المصريون بمعرفة ماذا سيسطر عنه التاريخ، وماذا سيقال فيه. وعرفوا أن الوقت الحالي هو وقت ترحم فترحموا عليه ووقت تسامح فتسامحوا معه ، ووقت مغفرة فطلبوا المغفرة له.


















