" في النصف من شعبان" بقلم التميمي الحبال

كتب: التميمى الحبال

(قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) (الزمر ٥٣) لقد كان من عظيم فضل الله على عباده،ومن جميل لطفه بهم ،ومن واسع رحمته عليهم ،أن فتح عليهم باب توبته ،ونشر لهم بساط رحمته،وبسط عليهم جناح عفوه ،ودعاهم إلى مائدة الرضا والغفران،( ليكفر عنهم أسوأ الذى عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذى كانوا يعملون)(الزمر٣٥). 

وأي فضل بعد فضل الله على عباده ؟ وقد أطمعهم فى حلمه، ورغبهم فى عفوه، يعصون ويستر عليهم ، ويذنبون ويغفر لهم ، ويسيئون ويعفو عنهم ،غفر لوحشى قاتل حمزة ، وقبل أبا سفيان وهو رأس الكفر، وعفا عن خالد وهو هازم جيش المسلمين، فسبحان من رحم عباده من ضعفهم ونصرهم على شيطانهم ،ووعد المذنبين منهم ـ إن تابوا ـ أن يبدل سيئاتهم حسنات، وليس هذا بعجيب ولا غريب على الله،فهو السيد ونحن العبيد ،وهو القوى ونحن الضعفاء،وهو الكريم الماجد ونحن اللئام الجهلاء،لا يقنط من رحمته إلا الصالون ، ولا ييأس من روحه إلا الكافرون (وهو الذى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات)(الحج ٦٥). 

ولولا إكرام الله لعباده بالتوبة والمغفرة ما دخل الجنة منهم أحدًا ولا نجا من النار إنسان، لأن الدنيا خضرة حلوة وفاتنة ساحرة ،وجذابة خلابة ،تعشقها النفوس ،وترغبها الطباع ،تميل إليها الأهواء والعقول ،لم تدع قلبًا إلا ملكته ولا إلا إلا سحرته ،أحبها الكافرون والمسلمون ،وسعى إليها العلماء والجاهلون ،ورغب فيها الفسقة والصالحون،ولولا عصمة الله لأنبياءه فيها لأصابهم فيها ما أصاب سائر ا لناس ،ولذلك نهى الله نبيه عن النظر إليها فضلًا عن التعلق بها( ولاتمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيالنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى )(١٣١طه).

كيف لا تكون الدنيا فاتنة ساحرة ، وفيها الأولاد والنساء ،والمال والجاه،والعظمة والسلطان ، فما أحلى آمالها، وما أشهى أمانيها،وفوق ذلك كله ،زينها الشيطان للناس فزادها حسنا على حسن ورونقا على رونق ،وجمالا على جمال.

(زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنغام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب)(آل عمران ١٤)

إن الدنيا حلوة لذيذة ،وفاتنة ساحرة، وإن الإنسان فيها عرضة للغلط واللغط والخطأ والذنوبوالآثام،إلا أن الله لم يخلق الإنسان فيها حيوانا أعجما،ليسرح ويمرح ،ويأكا ويتمتع ، ثم تنطوى صحيفته بأنتهاء أجله المحدود،ولكنه خلق إنسانًا عاقلاً، ومكلفًا مسئولًا ،وجعل له حياة وراء هذه الحياة ،فيها المناقشة والحساب .والميزان والصراط والجنة النار ،فإذا جاء الإنسان أجله ،ولم يتب من ذنبه ،ولم يقلع عن معاصيه ،وندم على ما قدمت يداه، وتحسرعلى ما فرط فى جنب الله (يومئذيتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول ياليتنى قدمت لحياتىفيومئذٍ لا يعذب عذابه أحد)(الفجر ٢٣:٢٥) .

ذلك الإنسان الذى أحدث العجائب،وابتكر الغرائب،وزلزل الأرض بقدميه، وفتل الحديد بساعديه،وركب الغواصة والطائرة ،بل وصعد إلى الفضاء ،وصاد النسر ورود الأسد ،ودك المعاقل والحصون ،كل ذلك فعله الإنسان،لكنه لم يقو على احتمال سكرات الموت،انظر إليه وقد جاء أجله ،ونزلت منيته ،تراه طريحًا على فراشه ،مشلول الحركة جامد العينين،معقود اللسان،تكلمه فلا ينطق ،تناديه فلا يسمع ،تسأله فلا يجيب يحرقه الموت بناره،ويمضغه بأنيابه، ويفريه بأظافره ،لا يستطيع تأففاً ولا شكوى،لا يملك توجعًا ولاأنينًا (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ماكنت منه تحيد )(ق١٩). 

من كان عاقلًا رشيدًا فليتب من ذنبه ،وليرد مظالمه،ويقلع عن معاصيه قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة، واعلموا أن الموت فجأة ، ويأتى عل بغتة ،فلا تسوفوا فى التوبة ،ولا تكونوا عن سطوته من الغافلين.