مشاهد في عصر الكورونا
بقلم : سالم هاشم
الحبة السابعة
جلس صاحبنا يدندن أمام المنزل خمسيني العمر علي أريكةعجوز، تتكأ علي مفصل خشبي من غير جنسها ،بيده مخيط وخيط وبين كفي قدميه مصيدة البحار(الغزل) قبعته البيضاء تغازلها الشمس في آخر يومها.
دندنته لاتكاد تتجاوز ظل مجلسه ،الشارع خال إلا من البنايات العجوز ،نوافذها مغلقة ،تشبه القبور لسكونها فلا صوت لساكنيها أوحتى وقع لقدم زائر يقرأ لها مماتيسر.
يدندن صاحبنا الصياد مستلقيًا بجسده في إنحناء، متناولًا غزله الذى عفي عليه الزمن فأكل منه ما أحدث ماعابه من ثقوب متسعة.
الغزل كحياة صاحبنا، باتت ثقوبها تمرر صقيعها فتحتاج(لترقيع) كالثوب البال، أخذ يدندن تارة وأخرى يتمتم في استرسال، يشكو الضيق ويلوم الدنيا علي كبدها حتي حالها الذي توقف مع الزمن بحلول الوباء اللعين فلا بحر ،فلا رزق ، فلا معين.
صاحبنا حزين ، يرى الدنيا سوداء في نهارها حتى قرص الشمس شاحب الوجه مصفرًا ،وكأن به الحزن علي حال المدينة البائسة .يتساءل في استرسال عن مايضيع وقته وغزله أوشك علي الإكتمال !
هو لا يهوى المكوث دون عمل، والعمل متوقف ،الوباء يجوب شوارع المدينة في تلصص مرتديًا زى الأشباح، يبحث عن فريسته.
الليل يقترب وقرص الشمس يغيب، السماء تختنق كأنها تحتضر ،المدينة ساكنه ،يحضر صوت من بعيد ،يفزع الرجل ،ينهض منتفضًا ،يترقب،يرمقها محدقًا ،إنها سيارة الموت ، تطلق صافرتها لتطمئن المستغيثين بقدومها،النوافذ المغلقة تتسارع في (الفتح)تخرج منها الرؤس، ترمق في قلق عربة الهلال الأحمر ، تتصاعد الأصوات تناجي ساكن السماء تطلب لطف القضاء .
صاحبنا ،تقترب منه السيارة تتسارع دقات قلبه الذي أوشك ان يخرج من صدره ،ترتعش كفيه ،يشحب وجهه ،تمر وهو يتبعها بعينيه في تساؤل إلي أين ! ومن الذي أصابته اللعنة، ترك غزله ومجلسه مسرعا الخطي خلف عربة الموت فإذا بها تصل إلى مشفي المدينة التي لاتبعد كثيرًا عن بيته .
رجال الشرطة تحيط المكان، ينادى أحدهم علي صاحبنا ينذره بالرجوع ، يقف صاحبنا مشدوها ليعرف من صابه الدور ،خرجت السيارة ،حجبه شرطى وعاد صاحبنا دون =ن يشاهد أو يعرف، مدينته كبيره لكنها تحبه ويعرفها جميعًا، يقتله الفضول الممزوج بالخوف، نزل الليل ، ،دفع باب بيته ، زوجته تناديه ، صاحبنا في واد آخر وكأن لعنة الخرس أصابته حزين علي مدينته ،يصل غرفته المظلمه، يستلقي علي سريره،يطلق زفرات حارة، يمسك مسبحته ، راح يعد من حبيباتها حتى وصل إلي السادسه وتوقف فأتمتها الزوجة التي نادتها إحدى الجارات فأخبرتها أن زائرهم أمس هو الحبة السابعة من مسبحة ضحايا الوباء اللعين .
