واحد من اسوأ انواع الاوبئة التي ضربت العالم في التاريخ ( الطاعون)
واحد من اسوأ انواع الاوبئة اللي ضربت العالم في التاريخ كان الطاعون، حيث بدأ سنة ٥٤١م، وباء بدأ من الامبراطورية البيزنطية عن طريق "فار" جي من الصين عليه براغيت في سفينة تجارية اوروبية عشان يضرب ضربته في كل المدن اللي حوالين البحر المتوسط مرورا طبعا بأوروبا كلها، ويتسبب في مقتل ٢٥٪ من سكان كوكب الارض علي مدار قرنين من الزمان.
طبعا ده في الدراسات الحديثة، الا ان التاريخ اتكلم عن ان الفئران المصابة بالبراغيت اللي جت مع الحبوب المستوردة من مصر كانت هي السبب في تفشي الوباء ده، وده طبقا لكلام المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس واللي نقل اول تفشي للطاعون ده في ميناء بيلوسيوم بالقرب من السويس.
فكرة الوباء ده انه فتاك بمعنى الكلمة، المؤرخين اتكلموا عن ١٠ الاف جثة في اليوم، وان مبقاش فيه ارض يتدفن فيها الميتين من كترهم فا بقوا يسيبوهم في الخلا، وبعدين في الشوارع، ومفيش جنازات ولا حد بيحضر لان كل بيت بيكون فيه مصاب واتنين وتلاتة، ولك ان تتخيل ريحة المدن دي كانت عاملة ازاي، كأنك عايش في قبر، بالاضافة ان الطاعون ضرب الريف يعني مبقاش فيه زراعة وده جاب مجاعة كمان، تخيل وباء يغير شكل العالم للأبد؟ هو ده اللي عمله الطاعون الاول، وطبعا بنفس ظروف اي وباء في الدنيا فالطاعون كان بيتنقل عن طريق الهوا والتعامل بين الناس والاكل اللي مش مطبوخ كويس، وبيسبب التقرحات والحمى والنزيف ثم الوفاة.
لو خدت بالك من تاريخ تفشي الموجة الاولى للطاعون، تقريبا هي نفس الفترة اللي ظهرت فيها الرسالة النبوية في جزيرة العرب وبعدها الفتوحات والغزوات، وبالتالي دخل مصطلح "طاعون" في الثقافة العربية والاسلامية كتعريف لكلمة "وباء" بشكل عام، وبدأ ذكره في الاحاديث النبوية.
فا عرّف المحققون معنى الطاعون علي انه "مرض الكثيرين من الناس في جهة من الأرض، دون سائر الجهات، ويكون مخالفا للمعتاد من أمراض في الكثرة وغيرها، ويكون مرضهم نوعا واحدا، بخلاف سائر الأوقات، فإن أمراضهم فيها مختلفة"، يعني الطاعون كلمة استخدمها الناس زمان لتعريف الوباء بشكل عام.
المهم، لك ان تتخيل ان سيدنا محمد كان اول من نادى بالحجر الصحي في احاديثه وفي التاريخ عموما كعلاج ودرء للمرض، وليه حديث شهير جدا بيقول "عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ [يعني : الطاعون] بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه)، يعني لما يظهر وباء في المدينة اللي انتا فيها متخرجش منها ولا حد من برة المدينة يدخلك، التعريف الحرفي للحجر الصحي.
بعيدا عن القصة دي، هنقدم بالزمن قدام شوية بعد وفاة الرسول بسنوات، على حادثة حصلت في عهد خلافة عمر بن الخطاب، وطبعا عمر بن الخطاب بالنسبة للمسلمين لا خلاف عليه، مفيش اشجع منه ولا احكم منه، واتسمى الفاروق عشان كدة، فاروق في الدين والعدل.
سنة ١٨ هجريا كانت الفتوحات الاسلامية وصلت الشام، وكان علي قيادة الجيوش دي ابو عبيدة بن الجراح وكثير من صحابة النبي، وفعلا نجحوا في فتح الشام شمالا ورجوعا لفلسطين انتهاءا بالقدس.
في السنة دي بقا في قرية عمواس "حاليا متنّزة كندا في جانب الكيان المحتل" بدأت الحمى تظهر علي بعض الرجال في القرية علي خفيف كدة، وبعدين ظهرت التقرحات، وبعدين بدأ الكل يتعدي لحد ما الوباء ضرب الشام كلها، في نفس الوقت اللي كان الخليفة عمر بن الخطاب خرج من المدينة المنورة في اتجاهه للشام كزيارة كونه هو الخليفة بعد النبي وابو بكر وكون الناس هناك في اشد الحاجة لوجوده، لكنه مكنش يعرف ان الوباء ظهر في فلسطين.
لما خرج من الحجاز ووصل علي مشارف الشام في حتة اسمها سرع، لقى ان ابو عبيدة بن الجراح بنفسه ومعاه بعض من رجال الصحابة جايين يقابلوه قبل دخوله للشام عشان يبلغوه ويحذروه من ان الوباء ظهر هناك والموضوع خطر.
هنا بقا القصة بتاخد منحنى غير متوقع، لكونك عندك خلفية عن عمر بن الخطاب وشدته وقوته وشجاعته الخ، كان المتوقع انه زي اي حد هيواجه بشجاعة ويخش الشام ويقولك ربنا اللي بيحمي، اي حد هيفكر في كدة وده عمر بن الخطاب اللي عاش عام الرمادة علي الزيت بس لحد ما وشه اتغير لونه من الجوع، واللي مكنش بيخاف من حاجة حتى لما اسلم مخفش من سادة قريش.
عارف عمل ايه؟
سأل المهاجرين الاولين هل يخش المدينة ولا يتراجع؟ فا انقسم رأيهم بين الرأيين، فا راح سأل الانصار، فا اختلفوا في الرأي، فا قرر يسأل القدام اللي هاجروا الشام من مشايخ قريش، فا قالوله ارجع بالناس ومتدخلهمش عالوباء ده، فا عمر بن الخطاب قرر انه يتراجع فعلا، حتى ان ابو عبيدة بن الجراح استغربه وقاله "أفراراً من قدرِ الله؟" فا عمر بن الخطاب رد عليه وقاله الآتي ..
"لو غيرُكَ قالها يا أبا عبيدة، نعم، نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله، أرأيتَ لو كان لك إبل هبطت وادياً له عدوتان: إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟".
هنا، قاطعه عبد الرحمن بن عوف "راوي الحديث اللي ذكرته عن النبي بتاع الطاعون" ، وقاله انه عنده الاجابة وانه سمعها من النبي، وقاله نص الحديث إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه. وقتها عمر بن الخطاب حمد ربنا علي صواب رأيه ورجع تاني عالمدينة.
دا عمر بن الخطاب مش انا ولا انتا ولا اي حد فينا، محدش قاله دا خوف وانك لازم تدخل وتنزل بين الناس عشان احنا صحابة ومش هيصيبنا المرض، لكنه استخدم رخصة ونصيحة وحديث عن النبي وعمل بيه لا زود عليه ولا نقصه، وهو فرد الحجر الصحي ورفضه دخول منطقة الحجر.
بالاضافة لده فا ابو عبيدة بن الجراح هو كمان رفض الخروج من الشام وقت تفشي الوباء هناك كونه امير عالمسلمين والجند، وعملا بوصاية النبي، وقال "إني في جند المسلمين، ولا أجد بنفسي رغبة عنهم"، وفي مراسلاته مع عمر بعد كدة عرف الخليفة انه ميت لا محالة ومع ذلك احتسبه شهيدا عملا بوصاية الحجر، ولك ان تعلم ان ابو عبيدة بن الجراح مات في الوباء، واحد من اكبر واشجع الصحابة الاولين السباقين للاسلام، لا انا ولا انتا افضل منه، ومات بيه.
ومماتش لوحده، لكن كان معاه من ٢٥ الف ل٣٠ الف من الصحابة والمسلمين على رأسهم ابو جندل بن سهيل، وابوه سهيل بن عمرو، ومعاذ بن جبل، وضرار بن الازور وغيرهم، اللي كانوا هناك عشان ينشروا الاسلام، وبردوا رفضوا الخروج هربا من الوباء.
عارف الخليفة عمر بن الخطاب عمل ايه عشان يعالج الوباء ده؟ لما تولى عمرو بن العاص امر الشام، بعتله عمر بن الخطاب وقاله " إِنَّ هذا الوجع إِذا وقع إِنما يشتعل اشتعال النَّار، فتجنَّبوا منه في الجبال" .
يعني ايه؟
يعني سيب شغلك وبيتك وحياتك، سيب المساجد اللي في المدينة واقفلها، والدواوين وخلافه، وابدأ التزم بحدود المسافة في الخلاء بينك وبين اللي معاك، سيب المدينة خالص واطلع عالجبال فوق واقعد فيها، الحظر بقا، هتسيب كل حاجة وهتطلع عالخلاء في الجبال بعيد عن الناس، فوق بقا صلي زي منتا عايز، هيكون فيه بينك وبين الاخرين مسافة ومساحة فالمرض مش هيتنقل بالشكل المكثف اللي قبليه، حظر شامل من دخول المدينة والبعد عنها تماما، وفعلا عمرو بن العاص عمل كدة والمرض موت كتير بس في النهاية سياسات الخليفة اللي جاية بناءا على الهدي النبوي قدرت انها تحتوي الوباء وتحد من انتشاره بين المسلمين، وعشان التزموا بيها انتهت عندهم.
تخيل سيناريو تاني فيه عمر بن الخطاب بيقرر انه يتشجع كعادته ويدخل الشام والمرض فيها، او يسمح لابو عبيدة انه يرجع عالحجاز وهو حامل للمرض، والجنود كل واحد يرجع علي مدينته اللي من العراق واللي من مصر واللي من اليمن واللي من مكة، كان الوباء جاب الصحابة والتابعين وتابعي التابعين قبل انتشار الاسلام اصلا واقتصرت الدعوة على قلة في مكة وانتهينا.
دي رخصة دينية قبلك عملوها وكتب التاريخ تشهد بكدة، وده مرض ووباء ملناش يد فيه، يا نلتزم بيها ونعدي زي اللي عدوا ونكتفي بالخسارة اللي خسرناها وربنا يفك كربه، يا نعمل فيها ال٧ رجالة في بعض وشجعان واهوه يا فيروس فاتح صدري اهوه والنار مبتلسعش مؤمن ودي مؤامرة امريكية للحد من اقتصاد الصين الخ، ونبدأ نعد الضحايا والجثث من اهلي واهلك عشان واحد بينصر الدين ويصلي في مسجد جماعة او يتناول في الكنيسة او يشتري حاجة من مول او يفسح عياله في النادي.
اقعد في البيت انتا مش اشجع من عمر بن الخطاب.


















