حسن بخيت يكتب : فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا
بقلم : حسن بخيت
آية قرآنية في كتاب الله ، نعرفها جيدًا ، ونرددها كثيرًا ، لكن هل ندرك مدي قيمة هذه الكلمات القليلة التي لخصت الكثير؟! أم أننا نرددها فقط في ورد قرآني تعودنا على قراءته من دون أن نتدبر ما تحمله هذه الآية البسيطة التي ننطق بها في كل وقت وحين ،بل ونحفظها عن ظهر قلب، ولا نعلم ما تحمله بين طياتها من معاني كثيرة ، وأهداف عظيمة ، لأنها تطيب لها الخواطر ، وتطمئن بها القلوب ، وترضي النفوس، ففيها دعوة للتسليم لأمر الله، وعلاج للقلق والتشاؤم، وسبب لحصول السكينة والطمأنينة، وليست دعوة لبث الوهن وترك العمل، أو ذريعة للخمول والكسل، فما من أمر من الأمور في هذا الكون إلا بحكمة بالغة من علام الغيوب، فالله ـ عز وجل ـ يكتب الخير للإنسان لكن فيما يختاره له لا فيما يختاره الانسان لنفسه ، فإنه ـ سبحانه ـ أعلم بما يصلح له ،فربما طلب الانسان شيئًا كان الأولى منعه عنه فيكون المنع عين العطاء. وربما منعه فأعطاه وربما أعطاه فمنعه.
ولو تأمل كل إنسان في تجاربه الخاصة، فإنه سيجد في حياته مكروهات كثيرة كان من ورائها الخير ، ولذات عديدة كان من ورائها الشر ، وكم من مطلوب كاد الإنسان يذهب نفسه حسرات على فواته ؛ ليتبين له بعد فترة أنه كان إنقاذًا من الله أن فوت عليه هذا المطلوب في وقته، وكم من محنة تجرعها الإنسان تكاد تتقطع أنفاسه لفظاعتها وشدتها ، ثم ينظر بعد فترة فإذا هي تنشئ له في حياته من الخير ما لم ينشئه الرخاء الطويل، لأن الإنسان لا يعلم. والله وحده يعلم ( الله يعلم وأنتم لا تعلموم ) ، فماذا لو الإنسان استسلم لله ؟مع الأخذ بالاسباب ، لأن الأسباب من قدر الله {فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.
ويتجسد هذا المعنى بصورة واضحة وظاهرة في قصة موسى عليه السلام والعبد الصالح ، في سورة الكهف ، لنرى الحكمة الإلهية العليا، التي لا ترتب النتائج القريبة على المقدمات المنظورة، بل تهدف إلى أغراض بعيدة لا تراها العين المحدودة..فخرق العبد الصالح السفينة ، فتعجب كل من عليها من هذا الفعل ، وهم لا يعلمون أن هذا الخرق للسفينة فيه النجاة والبركة ، حتى موسى عليه السلام غضب من ما فعله الرجل الصالح ، وتساءل بقوة عن هذا الشر كما نتساءل نحن الآن ، بل ونتسائل في كل وقت وحين عن أشياء تبدو في ظاهرها شرًا لنا ولا نعلم ما تحمله في باطنها وبين طياتها ... فقال له موسى عليه السلام ("أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا.. لقد جِئْتَ شَيْئَا إمرًا)، فجاءه الجواب البالغ {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} ، فبهذا العيب نجت السفينة من أن يأخذها ذلك الملك الظالم غصبًا؛ وكان الخرق الصغير الذي أصابها اتقاء لضرر كبير كان ينتظرها لو بقيت على سلامتها.
وبعدها يقتل العبد الصالح الغلام ـويمضي ـ فيغضب موسى عليه السلام ، ويزداد غضبه ،ولم يستطع السكوت والصبر على جريمة نكراء وكبيرة من الكبائر، فعاتبه بلهجة شديدة "أَقَتَلْتَ نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئًا نكرًا".. ليؤكد له الخضر أن ما فعله رحمة لابوين مؤمنين،، لأن هذا الغلام سيكون سيئا مع والديه وظالم لهما.. (وكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرًا).
ثم يصل موسى والرجل الصالح إلى القرية..ويرفض أهل القرية أن يضيفاهما ، ومع ذلك يبني الرجل الصالح الجدار ليحمي كنز اليتيمين ، ويتعجب موسى عليه السلام أيضا من بناء الجدار ، ويعاتب الرجل الصالح على فعله ، وهو غير مدرك أن الأمر كله بيد الله (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحًا).
فعلينا جميعا أن نؤمن بأقدار الله ، ونعلم أن حوار العبد الصالح مع موسى عليه السلام "إنك لن تستطيع معي صبرًا" نعيشه اليوم وكل يوم ، أي أنك لن تستطيع أيها الانسان أن تفهم أقدار الله ، ولا مراد الله في قضاءه وقدره ، لأن الأمر أكبر من تفكيرنا.
ولا ننسى سنة حبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وما فيها من أحداث عصيبة ، كانت سببا في بناء دولة الاسلام ، وتثبيت دين الله في الأرض.
الخلاصة : علينا أن نستسلم لقضاء الله ، مع الأخذ بكل الأسباب التي نمتلكها ،ولعل الله جاء بفيروس كورونا ،وما سببه من هلع ورعب وخوف ، وتوقف للحياة المعيشية ، واغلاق لمساجد الله في الأرض، لنستيقظ من غفلتنا ، ونعود الى ربنا ، نستغفره وندعوه بالتوبة ونطلب منه العفو والمغفرة ، ونكف عن ظلمنا وذنوبنا وجحودنا ، ليكون كورونا ، هذا الفيروس الضعيف الذي لا تراه العين المجردة هو من أنقذ الأمة من الشرود والهلاك .


















