شهر الصيام
كتب: التميمي الحبال
يقول الله تعالى فى كتابه الكريم (شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) البقرة.هذه آية صادقة من كتاب الله، يبين الله لنا فيها فضيلة هذا الشهر الكريم، وأنه سبحانه وتعالى قد أنزل القرآن فيه تشريفًا لقدره وإعلاء لذكره وتنويهًا بمكانته بين الشهور، وكفى لنزول القرآن فيه مكرمة وتشريفًا.
لقد عرفنا منزلة رمضان بين الشهور، ومنزلته فى الإسلام، ومكانته فى الدين، وأن منزلته في السماء أعظم منها فى الأرض، وأن تعظيمه فى عالم الجن أكثر منه فى عالم الإنس، وأن احترامه عند الملائكة أجل منها عند المؤمنين، ولكن واأسفاه؛ أي رمضان هذا الذى احتفلت به السماوات والأرض، وخشعت له الجن والإنس، ورحبت بمقدمه جميع الكائنات،أرمضان الأرواح والقلوب؟ أم رمضان البطون والأجسام! هذه النقطة الوحيدة التى يجب أن يقف عندها جميع العالم الإسلامي. ليعلموا ما هو رمضان، وما هى رسالته إلى المسلمين؟ وما حكمة مشروعيته فى الدين؟وهل هو كما عهدناه مجرد جوع وعطش وفطر وإمساك؟ونوم وسهر وإغراق فى الترف والملذات، أم هو رمضان آخر فيه من المعانى السامية والأغراض النبيلة ما يجعله جديرًا باحترام الله له وتقدير المسلمين إياه.
نعم يجب أن يعرف المسلمون ما هو رمضان الصحيح لكى يحققوا تعاليمه وآدابه، ولكى يعرفوا قيمة صيامهم وقيامهم فلا يخادعون الله، ورمضان الصحيح هو ما تتحقق فيه حكمة الصيام والقيام، وتنفيذ آداب الدين الحنيف.
شرع الله الصيام ليذوق فيه الغنى حرارة الجوع، والعطش، ومرارة المنع والحرمان، فينفق على الفقراء والمساكين، ويعطف على البائسين والمحتاجين، ولكى يعرف الفقير قيمة نعمته وإن قلت، فيكبر منها الصغير، ويعظم منها الحقير وليعرف العالم كله عظيم فضل الله عليه، وجميل إحسانه إليه، إذ أن أبسط النعم قبل رمضان كالماء مثلًا، تكون من أعظمها فى رمضان، ولكى يعرف الإنسان مدى غروره بنفسه وجهله بها، لأن الإنسان إذا عرف أن حياته موقوفة على كسرة خبز أو شربة ماء، عرف مقدار عجزه، ومبلغ ضعفه وشدة احتاجه إلى الله.
والجملة فإن رمضان يربط العالم الإسلامى برباط واحد وثيق، هو رباط الصيام، ويجمع صفوفهم تحت لواء الإسلام، فرمضان رسالة روحية عالمية، فيها من سعادة الفرد والمجتمع مالو علمه المسلمون وعملوا به لقادوا العالم كله إلى السلام، ولأرشدوا الإنسانية كلها إلى الهدى ولهيمنوا بسلطانه على رقاب الناس أجمعين.
وكما تكونون يكون الله لكم، ولقد أدرك السلف الصالح. مافي الصيام من حكم وفوائد فكانوا مثلًا أعلى فى احترامهم لرمضان وآية ذلك أنهم صاموا بكليتهم إلى الله فصاموا ببطونهم عن الطعام والشراب، وبقلوبهم عن الحقد والحسد، وبعقولهم، عن المكر والخداع وبنفوسهم عن الشره والطمع، وبألسنتهم عن الغيبة والنميمة، وبعيونهم عن الأعراض والمحرمات، وبآذانهم عن الفحش والخنا، وبأيد يهم عن الغش والإيذاء، وبأقدامهم عن السعى إلى الفساد.
وكل جارحة فى المرء جاهدة... في المكرمات تخلف العيب والذما حتى إذا ما أذن المغرب أفطروا على الحلال من الطعام والشراب وأشركوا معهم إخوانهم فى الله من الفقراء والمساكين، ثم اتجهوا إلى بيوت الله فعمروها بالذكر والدعاء والصلوات والتسبيح والتحميد والاستغفار، فلا يزالون كذلك حتى مطلع الفجر.
هكذا كان نهارهم طاعة وصيام، وليلهم إكرام وقيام، وعلى ذلك لا ينتهى رمضان إلا وقد صفت نفوسهم وأرواحهم وقوى إيمانهمو غفرت ذنوبهم ومحيت سيئاتهم، وأحب فقيرهم غنيهم، وقرب غنيهم من فقيرهم، ورضى الله عنهم ورضوا عنه، فنصرهم على أعدائهم، وحقق لهم كل إمل ورجاء، لأنهم وقفوا جميعا كتلة واحدة أمام جند الشيطان، أؤلئك حزب الله ألا إن حزب الله هم الغالبون.
أما رمضان المسلمين فى هذه الأيام فهو شهر كباقى الشهور، إلا إنه يمتاز بكثرة المصاريف والنفقات ومضاعفة التكاليف والمبالغة في إعداد ألوان الطعام،أصبح الصيام عندنا هو إضراب عن الطعام والشراب فى وقت معين نمضيه فى النوم ومشاهدة التلفاز لضياع الوقت، ثم نهجم على الطعام لنعوض ما فات منه، وهذا الصيام لا يعاج أرواحنا ولا يهذب أخلاقنا، ولا يقهر شهوة ولا يقاوم شيطان.
