كورونا والمجتمع الدولي بقلم د رشا علي الدين
بقلم : د.رشا علي الدين
قد يجد البعض أن الحديث عن الكورونا والقانون أمر غريب بعض الشيء، إلا أن تصريح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حول جائحة الكورونا كشف ـ وبحق ـ عن أثرها على العلاقات الدولية والقانون الدولي الإنساني، فأكد على أنها أسوأ أزمة عالمية واجهت العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثاني أي منذ ما يقرب من 75 عامًا، وأكد علي قلقه من أن تتسبب هذه الجانحة في تأجيج النزاعات والحروب في العالم.
وإذا كانت الحروب العالمية هددت دول العالم جميعها، فجانحة الكورونا أشد فتكًا بوصفها جانحة عالمية. بدأت من مدينة ووهان الصينية في نهاية عام 2019، وبالتحديد ديسمبر من العام ذاته. وما هي إلا أسابيع قليلة حتى امتد الوباء لشتي بقاع المعمورة.ولم يعد الوباء يهدد فرد في دولة معينة بل خطر يهدد العالم بكافة مخلوقاته الحية.
والسؤال المهم هل تعد الصحة التي يمسها هذا الوباء حق عالمي؟ ، وهل يتصل الحق بالصحة بحقوق الإنسان؟ الرد على هذا السؤال يأتي صريحًا في ميثاق منظمة الصحة العالمية التي عرفت الصحة بأنها حالة من اكتمال السلامة بدنيًا وعقليًا واجتماعيًا، لا مجرد انعدام المرض أو العجز، وهي أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان.
ووفقًا لهذا المعني العالمي للصحة فإنها تتصل بالحقوق الأساسية للإنسان، وهو ما يعني مسئولية الدول عن حماية مواطنيها، ولا يمكن لأحد أن ينكر أن الصحة تتطلب التعاون الدولي على الصعيد العالمي. وتكشف جانحة الكورونا ـ وبحق ـ عن ضرورة التعاون بين كل أطراف المجتمع الدولي من دول ومنظمات دولية حكومية وغير حكومية.
ولا يمكن لأحد أن ينكر الدور الذي تلعبه منظمة الصحة العالمية الآن، وليس بخاف على أحد أنها بدأت تسيطر على السياسات العالمية بحق.وما تمارسه الآن منظمة الصحة العالمية هو تنفيذ لسياسات أقرتها عام 2004 عندما وضحت اللوائح الصحية الدولية، والتي تهدف إلي منع انتشار المرض علي الصعيد الدولي ومكافحته ومواجهته من خلال اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الصحة بصفة عامة.
إن مواجهة جانحة الكورونا، وما تلعبه منظمة الصحة العالمية من دور عالمي يبين أنه من الصعب أن يقتصر الامر على الجهود الوطنية لكل دولة علي انفراد، بل لابد من تكاتف دولي على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ولا يمكن أن ننسي عام 2014، وما لحق العالم من أزمة صحية في غرب أفريقيا من جراء فيروس الأيبولا، وما استتبعه الأمر من صدور قرار مجلس الأمن رقم 2177 لسنة 2014، والذي أكد على أن هذا الفيروس يهدد الأمن والسلام الدوليين. ودعا دول العالم كافة إلى تقديم المساعدات العاجلة للدول المتضررة، ثم أعلن عن هيئة طوارئ تتعاون مع منظمة الصحة العالمية في هذا الشأن.
والسؤال المهم الآن لماذا لم يصدر مثل هذا القرار الآن في ظل جانحة الكورونا العالمية رغم قيام دولة تونس العضو غير الدائم بالأمم المتحدة بتقديم مشروع قرار يدعو لتحرك دولي لمواجهة تداعيات أزمة الكورونا؟.
ولكن يبدو أن المشكلة التي أثيرت جراء تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب حول مسئولية الصين حول هذا الفيروس، وتعارض مصالح الصين والولايات المتحدة الأمريكية أحبط المشروع في المهد داخل أروقة مجلس الأمن بوصفهما من بين الدول دائمة العضوية بالمجلس، وتوقع استخدام الصين لحق الفيتو. بالإضافة إلي أن روسيا أصرت علي أن يتضمن مشروع القرار إلغاء العقوبات لمكافحة الوباء بشكل أفضل، وهو ما سترفضه الولايات المتحدة الأمريكية بالتأكيد.
وبطبيعة الحال حين يغيب دور مجلس الأمن لا يوجد سبيل داخل الأمم المتحدة إلا الجمعية العامة، ففي 12 إبريل الماضي صدر قرار الجمعية العامة والموافق عليه من 188 دولة من بين 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، مع رفض روسيا وكوبا ونيكارجوا وأفريقيا الوسطي وفنزويلا. وقد أكد القرار على دعوة الدول الأعضاء إلي التعاون الدولي لمكافحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد16"، كما ندد القرار بكل أشكال التمييز والعنصرية وكره الأجانب في الاستجابة للوباء.
وأننا نؤكد في النهاية إذا ما كان فيروس كورونا أجمعت عليه الدول عام 2014، فالواقع يكشف أنه لابد من إجماع عالمي حقيقي مدعوم بقرارات حاسمة من كل المنظمات الدولية وفي مقدمتها مجلس الأمن بغية مواجهة هذا الوباء العالمي وتداعياته.


















