ليلة القدر
كتب: التميمي الحبال
يقول رب العالمين في محكم التنزيل (إنا أنزلناه في ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هى حتى مطلع الفجر) سورة القدر.
هذه سورة كريمة من كتاب ربنا الكريم، يصف لنا فيها ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، تلك الليلة الخالدة التى شرفها الله وعظمها، ومجدها وكرمها، وجعلها خير من ألف شهر، وأنزل فيها الملائكة وعلى رأسهم جبريل وملأها بالأمن والإيمان والسلام، كلل ذلك إكبارًا لأنها، وإعلاء لمكانتها وقدرها، ولما ما وقع فيها من عظائم الأمور، وجلائل الأعمال، فلقد أنزل فيها أحكم كتاب على أعظم رسول إلى خير أمة أخرجت للناس.
واستعرض فيها شئون ملكه وملكوته. فقدر الأرزاق، وحدد الأعمار، ومنح من شاء من عباده ما يستحقه من سعادة أو شقاء، كما أخبر بذلك في محكم التنزيل فس سورة الحديد(إنا أنزلناه فى ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرًا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم).ولو لم يكن لتلك الليلة من المحاميد والمكارم إلا نزول القرآن الكريم فيها لكفي.
أى مكرمة بعد تلك المكرمة الحميدة؟ وأى فضل وراء ذاك الفضل العظيم؟ الذى غمر الله به عباده، وشمل به خلقه، وطوق بمنه وأياديه أعناق البشرية جمعاء، بعد أن ضربت قوافلها فى تيه من الضلال والهوى، وعاشت في بيئة من الجهل والعمى، وغرقت في بحر لجى من الظلم والظلمات، وكان أن نظر الله إليها فى تلك الليلة المقدسة، بعين الرحمة والرضا، وأنزل فيها القرآن الكريم قائدًا ومرشدًا، وجامعات موحدًا، ونورًا مشرقًا، تخترق أشعته أعماق النفوس، وأغوار القلوب فتجلو ظلامها، وتبدد ضبابها، وتصل بينها وبين ربها، فإذا بالضمائر تحيا، وبالأرواح تصفو، والنفوس تشف، وإذا بالقلوب ترق وتلين، وإذا بركب الإنسانية كله يأخذ طريقه إلى المجد والحضارة، ويسلك سبيله المعبد إلى الرقى والنهوض، وإذا به يندفع في حماسة بالغة إلى غاية رشيدة حميدة، ومقصد رفيع نبيل.
منذ ذلك الحين أخذت الإنسانية تجاهد فى سبيل حقوقها الضائعة، وريتها المفقودة، وكرامتها المهدورة، كل ذلك بفضل القرآن الكريم الذى حدد علاقة المرء بربه تارة، ومع المجتمع تارة أخرى،.حق لليلة هذا شأنها أن تتيه على الزمان كله بما فيه من ليال وأيام، وحق لله أن يصفها بأنها خير من ألف شهر.


















