عيد سلاح الدفاع الجوي 30 يونيو
كتب : سامح طلعت
تحتفل قوات الدفاع الجوي بعيدها في يوم 30 يونيو من كل عام، وهو اليوم الذي سطر فيه رجال الدفاع الجوي المصري واحدة من أعرق المعارك العسكرية المصرية عام 1970، حين قاموا بإنشاء حائط الصواريخ الحصين، الذي حمى السماء المصرية من هجمات سلاح الطيران الإسرائيلي المتكررة التي أسفرت عن خسائر في أرواح الجنود والمدنيين، ومنها مذبحة بحر البقر التي راح ضحيتها 30 طفل خلال قصف لطائرات الفانتوم الإسرائيلية فوق قرية بحر البقر بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية.
عقب حرب 1967اتخذت مصر قراراً بإعادة تنظيم وتطوير قواتها المسلحة، واشتملت تلك القرارات على القرار الجمهوري رقم 199 الصادر في 1 فبراير 1968 بإنشاء قوات الدفاع الجوي المصري كفرع رئيسي وقوة مستقلة قائمة بذاتها بعد أن كانت أسلحتها ووحداتها متفرقة بين الإدارات والقوات فالمدفعيات والصواريخ كانت تتبع إدارة المدفعية ووحدات الرادار والإنذار ومراكز العمليات كانت تتبع القوات الجوية ونقاط المراقبة بالنظر كانت تتبع قوات حرس الحدود.وحصرت جميع الوسائل والأسلحة والمعدات المضادة للهجمات الجوية تحت قيادة واحدة ضماناً للتنسيق وتوحيداً للمسئولية وتحقيقاً للنجاح.
وفي 23 يونيو 1969 عين الفريق محمد علي فهمي كأول قائد للقوات حديثة النشأة، والذي تحمل على عاتقه مهمة إعادة تنظيم القوات وتدبير الكوادر وتدريب الأفراد والارتفاع بمستواهم التعبوي والتكتيكي والفني، مع تكوين قاعدة تكنولوجية عريضة قادرة على استيعاب أسلحة الدفاع الجوي الحديثة في أسرع وقت ممكن بهدف حرمان إسرائيل من تفوقها الجوي تطلب تطوير نظام الدفاع الجوي المصري إنشاء شبكة إنذار بعيدة المدى لاكتشاف أي طائرة معادية تقترب من المجال الجوي المصري وتوفير الوقت الكافي لتحذير قواعد الصواريخ ومواقع المدفعية، وتأمين تيار المعلومات اللازم لكي تعمل تلك المعدات والأسلحة بكفاء. فنجحت مصر في توفير أعداداً كبيرة ومتعددة من وسائل الإنذار واستخدامها في تنسيق وتعاون متكاملين وتعزيزها بشبكة من نقط المراقبة بالنظر وتجهيزها بشبكة مواصلات مرنة وحمايتها ضد الهجمات الإسرائيلية الإلكترونية.
بدأت القيادة العامة للقوات المسلحة في دعم قيادة الدفاع الجوي بأنواع حديثة من الأسلحة والمعدات الإلكترونية والصواريخ المضادة للطائرات التي تطير على ارتفاعات منخفضة، وتابع رجال الدفاع الجوي إنشاء المواقع الحصينة على اتساع رقعة الدولة من أسوان إلى الإسكندرية ومن بورسعيد إلى مطروح، وكرست الدولة إمكانياتها المادية والهندسية لبناء تلك المواقع في أقصر وقت ممكن مع تجهيز الطرق وإقامة المواصلات السلكية واللاسلكية.
وركزت القيادة الإسرائيلية ضرباتها الجوية على خط القناة بهدف التمسك بخطوط وقف إطلاق النار وإحكام قبضتها على تلك الجبهة، وتحددت مهام القوات الجوية الإسرائيلية في تدمير المواقع العسكرية المصرية وخاصة مرابض مدفعية الميدان، ومنع إقامة قواعد جديدة للصواريخ المضادة للطائرات في منطقة القناة، وعزل المناطق الهامة على الجبهة المصرية وشل أي تحركات تهدف إلى إدخال قوات أو حشدها في المنطقة. ولمواجهة تلك الضربات الجوية المركزة قامت قوات الدفاع الجوي بالتحرك لإدخال الصواريخ المضادة للطائرات إلى منطقة القناة، وإنشاء حائط الصواريخ المضادة للطائرات باستخدام أسلوب الزحف البطيء على وثبات وذلك بإنشاء تحصينات كل نطاق واحتلاله تحت حماية النطاق الخلفي له، وتم إنشاء مواقع النطاق الأول شرق القاهرة وإنشاء ثلاثة نطاقات أخرى تمتد إلى منتصف المسافة بين القاهرة وجبهة القناة، وأنشئ لذلك التحصينات الميدانية اللازمة لعدد 24 قاعدة صواريخ، وجهزت مراكز القيادة والسيطرة والمواقع بوسائل الاتصال اللازمة وتم تمهيد الطرق والمدقات، وتحريك قواعد الصواريخ واحتلالها لمواقعها ومعها وسائل الدفاع المباشرة المضادة للطائرات ووسائل الإنذار اللازمة، مع تنفيذ خطة خداع للضربات الجوية الإسرائيلية وامتصاصها بإنشاء مواقع هيكلية.
وفي صباح 30 يونيو 1970 فوجئت الطائرات الإسرائيلية المغيرة بالصواريخ المصرية التي كبدت سلاح الجو الإسرائيلي خسائر كبيرة، ليصبح حائط الصواريخ حقيقة واقعة، وصرحت رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير "أن كتائب الصواريخ المصرية كعش الغراب، كلما دمرنا أحدها نبتت بدلها أخرى". ومقابل تلك الخسائر الكبيرة التي وقعت سعت إسرائيل وراء وقف إطلاق النار، إلا أن قوات الدفاع الجوي تمكنت في الساعات القليلة التي سبقت يوم تنفيذ وقف إطلاق النار في 8 أغسطس 1970 من استكمال حائط الصواريخ على الصورة النهائية له عقب إنشاء حائط الصواريخ واعتبارا من 30 يونيو 1970 وخلال الأسبوع الأول من شهر يوليو تمكنت صواريخ الدفاع الجوي المصري من إسقاط العديد من الطائرات طراز فانتوم، وسكاي هوك، وأسر العديد من الطيارين الإسرائيليين وكانت هذه أول مرة تسقط فيها طائرة فانتوم، فأطلقت وسائل الإعلام المصرية على ذلك الأسبوع "أسبوع تساقط الفانتوم استمرت قوات الدفاع الجوي في التخطيط لمعركة العبور والتحرير التي تغطي مختلف النشاطات بما يضمن إعداد القادة والمقاتلين وتهيئة المعدات والأسلحة ووسائل الاتصالات ومسرح العمليات ليؤدي كلٌ دوره في المعركة بأكبر قدر من الكفاءة والإتقان مع تكوين الاحتياطيات اللازمة من الذخائر والمعدات وقطع الغيار لضمان الاستمرار في المعركة تحت جميع الظروف.
وقابل إعداد تلك الخطة مشكلة خطيرة تتمثل في أن معظم قواعد الصواريخ التي تمتلكها مصر مصممة للدفاع عن أهداف حيوية ثابتة وبالتالي تستغرق وقتاً طويلاً لإعدادها للتحرك وتجهيزها للاشتباك، كما أنها تتميز بضخامة الحجم وبالتالي يسهل تعرضها للإصابة مما يتطلب ضرورة إقامتها في مواقع حصينة لتوفير الوقاية اللازمة لها، وكل ذلك يتعارض مع الفعاليات الواقعية لمعركة العبور لأن الهدف المطلوب الدفاع الجوي عنه هو الحشود الرئيسية للقوات البرية ذات الطبيعة الهجومية المتحركة التي تتطلب في ذات الوقت حماية متحركة، وما دام الدفاع الجوي غير قادر على متابعة التقدم لتوفير الغطاء الجوي اللازم للقوات البرية أثناء العمليات الهجومية، فستصبح تلك القوات فريسة سهلة لطيران إسرائيل المتفوق. وكان الخيار السهل هو توفير أسلحة دفاع جوي هجومية متحركة بما يتفق مع احتياجات المعركة، إلا أن مصادر التسليح لم تمكن مصر من امتلاك هذا النوع من التسليح، ولكن قوات الدفاع الجوي واجهت تلك العقبة عن طريق تطويع المعدات التي تملكها لتتماشى مع متطلبات العمليات المقبلة، مع التركيز على تدريب الفرد المقاتل لتصل القوات بالأزمنة اللازمة لتجهيز المعدات للتحرك والاشتباك إلى أقل من ربع الأزمنة المحددة بواسطة صانع السلاح، كما تمكن مهندسو الدفاع الجوي من إدخال بعض التعديلات الفنية على المعدات لتسهيل عملية تجهيزها للتحرك والاشتباك، وتشكلت مجموعات خاصة من وحدات الإنشاءات لترافق قواعد الصواريخ في انتقالاتها لتوفر لها أكبر قدر من الوقاية عند اشتراكها في العمليات الهجومية بطابعها السريع والمتنقل، وزودت تلك المجموعات بمعدات هندسية خاصة وتم تدريبها بحيث تنتهي من تجهيز موقع قاعدة الصواريخ في ساعات قليلة، كما تم إعداد مراكز قيادة متحركة لإدارة نيران تلك القواعد والسيطرة عليها أثناء العمليات الهجومية.
ذلك الأمر الذي جعل اشتراك تلك القواعد في حرب أكتوبر ممكناً، وسبب ارتباكاً للقوات الجوية الإسرائيلية وهي تفاجأ كل يوم بمزيد من مواقع الصواريخ الجديدة وجب على قوات الدفاع الجوي المصرية الاستعداد لمواجهة قوة الردع الرئيسية لدى إسرائيل وهي القوات الجوية الإسرائيلية في كامل قوتها حيث لم يكن بمقدور القوات الجوية المصرية الوصول بالأنواع التي تمتلكها من الطائرات إلى القواعد الجوية الرئيسية في إسرائيل وإنزال خسائر بمعداته وطائراته، في حين كانت الولايات المتحدة تعوض جميع خسائر سلاح الطيران الإسرائيلي التي تقع بسبب الدفاع الجوي المصري، ولمواجهة تلك الحقيقة كان على القيادة العامة للقوات المسلحة التخطيط لإحراز المفاجأة وحرمان إسرائيل من التمتع بمزايا الضربة الأولى، وكان على الدفاع الجوي أن يحرم إسرائيل من المعلومات التي يحصل عليها بواسطة طلعات الاستطلاع الجوي التي تطير شرق القناة لالتقاط الصور عن أوضاع وتحركات القوات المصرية على الضفة الغربية، فمد الدفاع الجوي سيطرته على المجال الجوي من غرب القناة إلى شرقها، وكبدت إسرائيل خسائر متلاحقة في طائرات استطلاعه، فيما تمثل الدور الرئيسي للدفاع الجوي المصري في خطة معركة العبور في تأمين تدفق هجوم القوات المصرية على طول خط القناة ومده إلى جنوب قناة السويس حتى مسافة 130 كم على امتداد الساحل الشرقي لخليج السويس ودفعه في عمق سيناء حتى مسافة 50 كم شرقاً، لإرغام إسرائيل على توزيع ضرباته الجوية الموجهة ضد القوات المصرية بما يضمن إضعاف تأثيرها، بالإضافة إلى أن مسرح عمليات الدفاع الجوي لا يقتصر على جبهة القناة وسيناء بل يمتد ليشمل كل رقعة على الأرض المصرية، حيث ستظل المراكز السياسية والاقتصادية الحيوية في عمق الدولة والقواعد الجوية والبحرية هدفاً لهجمات إسرائيل الجوية لكي يحقق بها تأثيراً معنوياً على القوات المصرية والشعب المصري ويربك بها قيادته، كما كان على القوات التخطيط للدفاع الجوي عن المعابر والكباري على القناة التي كان من المؤكد أن إسرائيل سيعمل على تركيز مجهوده الجوي عليها خلال الساعات الأولى من المعركة لإفشال عملية عبور القوات البرية، بالإضافة إلى التنسيق المستمر مع القوات الجوية بغرض تحقيق المهمة المشتركة وهي تدمير القوات الجوية المعادية، وتوفير الإنذار الجوي المناسب لجميع القواعد الجوية والمطارات وتأمين أعمال توجيه المقاتلات والرادار لاعتراض الطائرات المعادية، وتأمين الطائرات المقاتلة المصرية من وسائل الدفاع الجوي المصرية.
في يوم السبت الموافق السادس من أكتوبر 1973 والعاشر من رمضان أصدر قائد قوات الدفاع الجوي الأمر الكودي "جبار" لكي يفتح قادة التشكيلات المظاريف السرية التي سلمت إليهم في اليوم السابق، والتي احتوت على خريطة للقطاع الذي يعمل فيه كل تشكيل موضحاً عليها البيانات والتوقيعات الخاصة بالضربة الجوية الأولى للقوات الجوية المصرية، وشرع قادة التشكيلات في اتخاذ الإجراءات والوسائل التي طالما تدربوا عليها. وفي تمام الساعة الثانية وخمس دقائق ظهراً عبرت الطائرات المصرية قناة السويس متجهة إلى أهدافها المحددة، فيما قامت في نفس الوقت الآلاف من مدافع الميدان بقصف مركز على خط بارليف ونقطه الحصينة، وفي تمام الساعة الثانية وعشرين دقيقة بدأت الموجات الأولى من جنود المشاة تعبر قناة السويس على امتدادها من بورسعيد شمالاً إلى السويس جنوباً، بينما كانت الطائرات المقاتلة المصرية في طريق عودتها إلى قواعدها بعد تنفيذ الضربة الجوية الناجحة التي أثرت بإسرائيل في اللحظات الأولى من المعركة، في حين كان الصمت والسكون يسيطر على مواقع الدفاع الجوي المصري في انتظار الهجوم المضاد من قبل الطيران الإسرائيلي، الذي بدأت تظهر بوادره على شاشات الرادار المصري اعتباراً من الساعة الثانية وأربعين دقيقة، فقامت الصواريخ المضادة للطائرات بإسقاط الطائرات الإسرائيلية الواحدة تلو الأخرى، واستمر الحال خلال الساعات التالية التي كان تدفع بها إسرائيل بطائراتها على طول الجبهة لتحاول ضرب وإعاقة تقدم القوات المصرية وتدمير جسورها ومعابرها، وقوات الدفاع الجوي المصري تواجه هجمات إسرائيل وتوقع بطائراته وطياره.
وفي تمام الساعة الخامسة مساءً أصدر قائد القوات الجوية الإسرائيلية أوامره لطياريه بتفادي الاقتراب من القناة لمسافة تقل عن 15 كم شرقاً. وعند حلول الظلام لم تجد القوات الإسرائيلية بداً من القبول بمزيد من الخسائر واستأنفت هجماتها الجوية ضد القوات المصرية التي نجحت في عبور القناة محاولةً منعها من إقامة المزيد من الكباري والمعابر لتعزيز نجاحها، إلا أن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل نتيجة للاشتباكات الناجحة لشبكة الدفاع الجوي المصري في اليوم الثاني للمعركة صباح السابع من أكتوبر 1973 خططت القيادة الإسرائيلية لتفادي حائط الصواريخ المصري على جبهة القناة وتوجيه ضربة جوية للطائرات والقواعد الجوية المصرية البعيدة عن هذا الخط الدفاعي الحصين وتكرار نفس مشهد الضربة الجوية القاصمة التي وجهها الطيران الإسرائيلي للطائرات المصرية خلال حرب 1967 وبذلك تنتهي الحرب. وعلى ذلك اقتربت الطائرات الإسرائيلية على ارتفاعات منخفضة فوق البحر المتوسط لتهاجم المطارات المصرية بشمال الدلتا ووسطها وفوق البحر الأحمر لتهاجم المطارات المصرية بالصحراء الشرقية، بهدف التملص من شبكة الرادار المصرية وتحقيق عنصر المفاجأة، إلا أن قوات الدفاع الجوي المصري توقعت شن إسرائيل لهجمات مماثلة ووفرت الغطاء الجوي الملائم لكل هدف حيوي على الأرض المصرية رغم اتساعها، فوجدت الطائرات الإسرائيلية المقاتلات الاعتراضية المصرية في انتظارها ومن نجح بالإفلات وحاول التسلل على ارتفاع منخفض واجهته نيران المدفعية المضادة للطائرات والصواريخ المحمولة كتفاً، فإذا ما حاول الارتفاع تلقته صواريخ سام بضربة قاتلة، فآثر من تبقى من الطيارين الإسرائيليين الانسحاب وألقوا بحمولاتهم أينما كانوا وعادوا إلى قواعدهم، وظلت المطارات المصرية سليمة تواصل دورها في معركة العبور.


















