×
15 جمادى آخر 1447
5 ديسمبر 2025
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي

بطل من بلدي... إبراهيم الرفاعي سيد شهداء هذا العصر

بطل من بلدي... إبراهيم الرفاعي سيد شهداء هذا العصر
بطل من بلدي... إبراهيم الرفاعي سيد شهداء هذا العصر

كتب : د.صلاح شفيع 

كثيراً .. ما تساءلت لماذا سمي الشهيد ؟؟ ولفظة الشاهد والشهيد كلها تقتصر على المعاينة بالعين ، لكن لما انشغلت باللغة فهمت السر ، إن الشاهد يشهد على مايراه بعينيه ، فهو شاهد ، أما الشهيد فصيغة مبالغة من المعاينة ، أي أكثر معاينة ، وذلك لأنه يشهد على ما لم يره ، يشهد بأن الجنة التي لم يرها حق ، ويشهد بأن البعث الذي لم يتحقق بعدُ حق ، فهو أكثر معاينة ممن رأى بعينيه ، لأنه يشهد على الغيب بقوة أشد من شهادة الآخر على ما يعاينه ، وقد وصلت ثقته بما يراه غيباً أنه يجود بحياته راضياً لأنه يثق فيما يراه من غيب. 

كل ذلك كان مقدمة عن أمير شهداء العصر ، إنه ابن بلدتي بلقاس ، أمثاله يجعلون أوطانهم أروع مما كانت .. إن المكان يحلو بناسه .. وبلدنا تحلو بك يا رفاعي، إبراهيم الرفاعي .. ابن بلقاس ، من مواليد قرية الخلالة ، سميت مدرستها الثانوية باسمه ، والمدرسة تحتفل سنوياً بيوم استشهاده ، وقد دعاني لحفلة منها الصديق البطل إبراهيم عبد العال الذي دمَّر للعدو عشرين دبابة ، محتلاً المركز الثاني بعد عبد العاطي صائد الدبابات. 

الرفاعي مواليد 1931 ، قائد المجموعة 39 التي قامت أثناء حرب الاستنزاف باثنتين وسبعين عملية خلف خطوط العدو، وأنت لا تدرى معنى ذلك إلا لو علمت الظرف الزمني لهذه العمليات ، فهي عمليات تمت بعد النكسة ، التي قالوا بعدها ماتت مصر ، لكن الرفاعي وفرقته أثبت أن مصر قد تمرض ، لكنها لا تموت ، وأنها مثل كل خالد ، كل ما لايقتله يقويه..
إن كان لكل إنسان مثل أعلى ، أتدرون من هو المثل الأعلى للعظيم الرفاعي ؟؟ لم يتخذ الرفاعي أي أحد مثلاً أعلى ، لكنه اختار أكثرهم عبقرية ، القائد الذي لو ذكر أي عدد من عظام القادة ، لكان أحدهم مهما كان العدد .. ذلكم خالد بن الوليد .. الذي خاض مائة معركة لم ينهزم في واحدة قط .. الرجل الذي كان يحارب بسيفين في وقت واحد ، ويقود فرسه بركبتيه .. القائد الذي شرب سم الساعة ، ولم يمت .. القائد الذي كان يفكر بعقل أعدائه ، فما من حيلة يمكرونها إلا وتكون قد خطرت بباله. 

وهكذا ، أصبحت مواقف الرفاعي تستدعى إلى الذاكرة سيد القادة العسكريين خالد بن الوليد ، لما استعصى الروم على المسلمين ، وطالت المناوشات معهم أكثر من شهرين قال أبو بكر الصديق : والله لأنسيَنَّ الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد ، وأرسل إلى خالد الذي كان يخوض الحروب ضد الفرس لأكثر من خمس عشرة جولة انتصر فيها جميعاً ، ومضي خالد إلى الروم عابراً صحراء بجيشه لم يقطعها أحد من قبل ، ليصنع شمس اليرموك أعظم أيام الإسلام ، تلك الموقعة التي فرقت بين الحق والباطل ، وأذنت برحيل الروم من جزيرة العرب. 

كذلك في عصرنا الحديث ، لما تأزمت الأمور في مصر ، وحدثت النكسة ، واعتقد الجميع أن مصر قد ماتت ، كأنهم تذكروا خالداً أقصد الرفاعي .. لقد أحدثت النكسة صدمة نفسية ، وتعالى العدو ، فزعم أنه الجيش الذي لا يقهر ، ولا يأسر .. فلعل أحدهم قال : والله لأنسين إسرائيل وساوس الشيطان بالرفاعي .. لذلك كُلف الرفاعي بعملية في العام التالي لنكسة 67 ، وأسر الملازم داني شمعون ، ضابط إسرائيلي ، كان بطلاً للجيش الإسرائيلي في المصارعة ، أحضره الرفاعي إلى القاهرة دون خدش واحد ، ولك أن تتخيل ما معنى أن تأسر ضابطاً هو بطل في جيشه الذي لا يقهر ، وترجع به إلى بلادك. لو تخيلت ذلك لعلمت مدى الرعب الذي تركته عمليات الرفاعي على إسرائيل .. ألم أقل لكم : إن الرفاعي يرى في نفسه بعثاً جديداً لسيف الله المسلول الذي سله الله ورسوله على الكفار ، ليكون سيفاً جديداً أقلق منام اليهود حتى جعله الموساد المطلوب رقم واحد. 

وفي 9 مارس 1967 رقصت إسرائيل فرحاً ، فقد علم الموقع رقم ستة أن رئيس أركان الجيش المصري عبد المنعم رياض يزور مواقع الجيش الأمامية ، أطلق الموقع مدفعيته على الموقع الذي كان فيه مما تسبب في استشهاده ، في خسارة مفجعة لمصر لرجل قل أن يجود الزمان بمثله ، وهنا كان لابد من الرد السريع على تلك الضربة ، وصدرت الأوامر لفرقة الرفاعي 39 بعبور القناة واحتلال موقع المعدية رقم 6 الذي انطلقت منه القذائف على شهيد مصر الذي سمي يوم الشهيد 9 مارس لموته في هذا اليوم .

وكما فعل خالد بن الوليد في اليرموك لما وجد ميسرة الروم متماسكة ، وكانت أربعين ألفاً ، فقال لرجاله : من يبايعني على الموت ، ومضى بمائة رجل يطلبون الموت ، فيكسر الجبهة ويفتت تماسكها ، قال خالد : والذي نفسي بيده ما بقى من الروم من الصبر والجلد إلا ما رأيتم ، وإني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم، كذلك قال إبراهيم الرفاعي لرجاله :من يبايعني على الموت ؟؟ ومضى برجاله إلى الموقع الذي يضم أربعة وأربعين عنصراً إسرائيلياً ، وكانت أوامر الرفاعي هي القتال باستخدام السونكي فقط ، ولم يهنأ الإسرائيليون بالنصر المدوي ، فقد كان الرد قاسياً وسريعاً ، وتقدمت إسرائيل باحتجاج لمجلس الأمن في نفس اليوم تشكو فيه أن قتلاها تم تمزيق جثثهم بوحشية ، ليكون هذا اليوم ( الأحد التاسع من مارس) حزيناً عليهم أكثر من حزن المصريين ؛ لأنهم يحبون الحياة أية حياة ، بنفس الدرجة التي يقبل عليها أمثال الرفاعي على الموت ، ولا سواء ، شهيد مصري في الجنة ، وقتلاهم في النار ، ونحن نحتسب شهيدنا عند الله وهم يموتون جزعاً من الموت . وأنزل الرفاعي العلم الإسرائيلي ، وداس عليه ، لكم يكره هذا العلم ، ولا يقبل أن يرتفع على أرض مصرية. 

ـ يا نجمة داود ، كفرانك ، لا سبحانك ، إني رأيت الله قد أهانك !
إنها العبارة نفسها التي قالها خالد بن الوليد لصنم العزى ..
ـ يا عُزى ، كفرانك لا سبحانك ، إني رأيت الله قد أهانك .
كان خالد يهدم الصنم ، فيضربه بيمينه وبشماله وبقدمه ، ويصيح في الشظايا المتناثرة والتراب المتساقط عبارته تلك ، ثم يحرقها ويشعل النار في ترابها ، ولم يقف الرفاعي عند إنزال العلم الإسرائيلي فحسب عن موقع تسيطر عليه إسرائيل ، بل يرفع العلم المصري على الموقع ( المعدية رقم 6) ، وظل العلم المصري مرفرفاً على الجانب الآخر من القناة الذي يحتله الكيان الإسرائيلي .

ولا يمر على هذا الأحد أسبوعان ، ففي يوم السبت الموافق 22 من مارس يقوم أحد أفراد فرقة الرفاعي ( 39 قتال ) وهو المجند محمد أحمد نوار برصد هليوكوبتر عسكرية تحاول الهبوط ، ويتمكن البطل من قنص رأس أحد ركاب الطائرة وهي على بعد 1500 متر منه ، ليكون القائد العام لقطاع سيناء ، لقد كان عبقرية الرفاعي أنه يصنع من كل فرد معه رفاعي آخر ، ألم تكن إحدى خصال عبقرية خالد هي نقل حماسة روحه إلى جيشه كالكهرباء ؟ ألم يكن ذلك ما فعله في موقعة اليمامة ليقلب الهزيمة إلى نصر ساحق ؟؟

ولما تمت اتفاقية روجز لوقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل تم تفكيك الفرقة لتتحول إلى منظمة غير تابعة للجيش ، وتم تجريد أعضاءها من شاراتهم ورتبهم العسكرية ، وضم مدنيين لتستمر مهامهم خلف خطوط العدو ، وسميت المنظمة باسم منظمة سيناء العربية .

والرفاعي لا يهمه أين يكون مادام يحارب العدو ، لايهمه أن يكون برتبة عسكرية كبيرة ، أو مجرداً من رتبته ، أليس خالد بن الوليد الذي وهبه روحه كذلك ؟؟ ألم يدخل خالد غزوة مؤتة جندياً وخرج منها قائداً ، ودخل موقعة اليرموك قائداً وخرج منها جندياً .. المهم النصر ! كان الرفاعي مثلما كان خالد ، طاقة غير عادية ، صدَّرها لجنوده ، كان ينادي العدو:
ـ فوالذي لا إله غيره لأبعثن إليكم رجالاً يحبون الموت كما تحبون الحياة ..ثم يلتفت إلى جنوده ، ويقول لهم :
ـ سأقذفكم على الباطل فيدمغه. ثم يسرح بعينيه بعيداً كأنه يسأل نفسه ، قد سمع هذه الكلمات من قبل ، نعم ، قالها قبله خالد ، يبتسم ، كلما رأى خيطاً يربطه بخالد يشعر بألفة غريبٍ يرجع إلى بيته بعد غيبة ..
ـ يا أولاد .. اليهود جاهلية يجب أن نهدمها !

أيضًا هذه تعلمها من خالد ، كان به توق عارم إلى هدم عالمه القديم ، كأنه فرَّق روحه على جنوده ، فحماسته غير العادية تسري فيهم ، وأصبحوا مثله تواقين إلى هدم العالم القديم ، فلم تعد الفدائية سمته الجوهرية وحده ، بل كأنهم أصبحوا رجلاً واحداً ، وتحول شعارهم ( فدائي ) إلى نشيد يتغنى به كل المصريين ..
فدائى فدائى فدائى فدائى فدائى
لو مت يا أمى ما تبكيش راح اموت علشان بلدي تعيش
افرحي يامه و زفينى وفي يوم النصر افتكرينى
وإن طالت يامه السنين خلى اخواتى الصغيرين
يكونو زيي فدائيين يامه. 

لم يعرف العدو مفتاح شخصية إبراهيم الرفاعي ، ولو عرفها لازداد خوفاً ، لقد كان المفتاح أو كلمة السر هي خالد بن الوليد ، الذي لا ينام ، ولا يترك العدو ينام .. لما تقدم للزواج قال لخطيبته :
ـ زملائي يقولون عني إني لن أعيش أكثر من عشر سنوات ..
ظنته يهيؤها لحياة صعبة تفرضها ظروف عمله ، لكنها لم تدر أنه كان ينظر بعين الحقيقة ، وأنه ذاهب إلى الموت ، كل عملية يخوضها ينسى كل شيء ، أهله ، وامرأته ، وابنه ، لا يذكر إلا الموت ، يطلبه بنفس رغبة عدوه إلى الحياة ، لم تعرف ذلك إلا بعد استشهاده ، إذ صرحت أمه لها بتلك الحقيقة .. إنه كان لن يهدأ إلا إذا حصل على الشهادة ، هو ممن يظنون أنهم ملاقو الله ، يوقن أن الشهادة قادمة قادمة ، أما الظنية فهي في الموعد لا يعلم متى ..وفعلا لم يعش أكثر من عشر سنين كما قال لها ..
لم تدر عروسه أنها ليست عروسه الحقيقية ، عروسه الحقيقية أخرى عندما يخرج لنصرها ، ينسى كل شيء إلا هي ، ولم تدر أن عرسه ليست الليلة التي زفت فيها إليه ، عرسه كان كل ليلة يخرج فيها لمهمة قتالية خطرة .. ألم أقل لكم .. إنه يعيد إخراج قصة مثله الأعلى ، خالد بن الوليد الذي كان يقول :
ـ ما من ليلة تهدي إليَّ فيها عروس أنا لها محب أو أبشّر فيها بغلام .. أحب إليَّ من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين أصبّح بها العدو.

إنه إبراهيم الرفاعي ، البطل الذي لا يهاب ، الذي كلما أقبل عليه الموت ونظر في عينيه ، اتجه إلى الجهة المقابلة .. نحو العدو ، كان يدرب جنوده بإخلاص .. وشعاره تدرب كما تقاتل ، لأنك ستقاتل كما تدربت. 

في أغسطس 1969 مضى برجاله لعملية الكرنينة .. لتدمير الرصيف الذي يزود العدو بالوقود والمئون والمعدات ، تم تحزيم الرصيف بالمتفجرات ، وتراجعت الفرقة خمسمائة متر إلى الخلف حتى يروا الرصيف وهو ينسف ويصورونه ، لكن ما حدث أن الرصيف انفجر نصفه فحسب ، ولم ينفجر النصف الآخر . كانت الخطة تقتضى التصوير ، ثم الانسحاب حتى لا يلحق بهم العدو .. الآن النسف الجزئي لا يمنع الرصيف من مواصلة إمداده للسفن بالوقود وغيره ، فالعملية إذن لم تحقق هدفها ، وهنا رأى الرفاعي أنه لابد من نسف الجزء المتبقى ولو كلفه ذلك حياتهم ، أصدر أوامره للفريق بعدم التحرك ، ورجع وحده للرصيف حتى يكمل تحزيم الرصيف بالمتفجرات ليتحقق نسف الرصيف بالكامل .. ليس ثمة إلا الموت ، لكن هل جاء إلا من أجله ؟؟ إنه التحدي والإصرار .. كما يقول العميد محسن طه أحد رجال فرقة الرفاعي الذي كان مصاحباً له في تلك العملية. وظل العدو خائفاً من الاقتراب بسبب توالى الانفجار ، خوفاً أن يكون ثمة انفجارات أخرى .. ليرجع الفريق سالماً وقد حقق هدفه .. وفوق الهدف آمن الرجال أن معهم رجلاً يطلب الموت ، والموت يفر منه. 

إنها نقطة أخرى يقترب فيها من معلمه الأول ، كذلك كان خالد بن الوليد يطمئن رجاله إلى وجوده ، كأنهم يقرأون النصر في وجهه قبل النصر ، ويصاب أعداؤه بالهلع ، إنه رجل لا يموت ، فكيف نقدر عليه ؟؟لم إذن لا يكون الموت مطلبه ، أليس يرى نفسه خالد بن الوليد ؟ بلى ، وأليس خالد تلميذ أبي بكر الذى وعى عنه حكمته الخالدة : احرص على الموت توهب لك الحياة ، فهكذا كان الرفاعي أحرص أهل عصره على الموت ، ولذلك لم يكن حياة واحدة ، بل كان أكثر من حياة .. فهل وهبت له الحياة ، وهو الذي عاش عمراً قصيراً ؟؟ لكن هل الحياة هي العمر الطويل ؟؟ أم الحياة أن تدوم الحياة بعد الحياة ؟؟

كل منا يعيش عدداً من الحيوات مع كل فاصل موت ، فمن يتعرض لحادثة يرى فيها الموت عياناً وينجو ، فقد كتب له عمر جديد ، فلا عمر جديد إلا بموت يفصل بين حياتين ، والرفاعي خاض أكثر من خمسين عملية خطرة كان الموت فيها فاصلاً بين حياتين .. فلم يعش حياتين ، بل عاش أكثر من خمسين حياة ، لم يكتب له عمر واحد جديد ، بل كتب له أكثر من خمسين عمراً. 

لم يكن العجيب أنه يقبل على الموت ، بل العجب أنه في كل مرة لا يموت ، في كل عملية كانت الرمال حقل ألغام ، كل ذرة لغم يحتضن الموت ، وينتظر من يدوس عليه لينفجر فيه ، لكن الرفاعي يدوس بقوة على تلك الرمال ، فلا يحدث ضغط عليها ، أكان كالمسيح يمشي على الماء كما يمشى غيره على الأرض ؟؟
لقد اعتاد على الموت ، واعتاد الموت عليه ، وتعود أن يجني من كل طلب للموت الحياة ، فكأنه يهمس للموت صديقه :
ـ صديقي العزيز ، مادمت لا تريدني ، فساعدني عليهم ، قد بذرتك فيهم ، سأقف غير بعيد لأراك تنبت في كل جسم منهم ..
نعم ، كانت بينه وبين الموت صداقة وعهد ، حرص الرفاعي دوماً على الموت ، وحرص الموت دوماً على حياته ، فعاش أكثر من حياة. 

وكما كان خالد بن الوليد يتخيل المعركة قبل حدوثها، كالسيناريست الذي يكتب سيناريو الفيلم ، فيكون أول من رأى الفيلم قبل المشاهد ، وقبل من اشترك فيه ، في موقعة اليرموك يقول المؤرخون عن خالد ، لقد رسم المعركة خطوة خطوة ، وحركة حركة ، كل مناورة توقَعها من الروم صنعوها ، كل انسحاب تنبأ به فعلوه ، كأنهم عرائس متحركة تتحرك تبعاً لحركات أصابعه . كذلك كان الرفاعي .. يهتم في المقام الأول بالمعلومات ، يرصد كل تحركات العدو ، فإذا سنحت الفرصة له لم يفلتها ، وكان خط بارليف يتكون من مواقع متباعدة ، ويوصلون تلك المواقع بدوريات ، ولأنه يرى كل تحركات العدو ، رأى عربتي جيب فقرر أن يعمل كميناً لهما شرق الإسماعيلية ، ووضع لغماً على المدق ، وكل واحد من رجاله عمل حفرة لنفسه اختبأ فيها ، العربية الأولى أفلتت ، والثانية انفجر فيها اللغم ، لتنفجر السيارة وفيها رئيس أركان القوات البحرية ، ونائب مدير المخابرات الحربية والاثنان قتلا. 

لو استطاع الاثنان الكلام عن قاتلهما ، لقالا : ما هذا الرجل ؟! لقد خلق ليموت في قتال .. ونقول لهما .. نعم ، لأن عينه كانت على أستاذه خالد بن الوليد ، يقتدى به في كل شيء إلا شيئاً ..
أيمكن أن يستثنى مع خالد فيما يتعلق بالقتال ؟؟ وهل في خالد القائد والمقاتل ما يجعلك تزهد فيه ؟؟ لكنه كان يرى أنه تكملة خالد ، يكمل ما نقصه ، وقد فعل خالد في القتال كل ما يريد ، كأن القتال عجينة في يده ، يشكّلها كيفما شاء ، إلا أنه لم يمت في قتال .. ومات على فراشه ، وهو يكاد يبكى لأنه لم يمت في قتال ، وقال قولته المشهورة :
ـ لقد شهدت مائة زحف أو زُهاءًها ، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رَمْية ، ثم هأنذا أموت على فراشي كما يموت العَيْر ، فلا نامت أعين الجبناء !
آلمته تلك القولة جداً ، أن يموت أستاذه بعيداً عن ساحة القتال التي أحبها ، لذلك هو يحرص وهو يقتدى بخالد أن يستوفي لخالد ما افتقده خالد . إذ يحرز الشهادة يكون قد نجح في الاقتداء بأستاذه ، ورد له الجميل ، الاستثناء هذه المرة هو عين المطابقة .. لذلك كان حريصاً جداً على الشهادة ، ويرى أن فوت الشهادة منه خيانة لخالد ، وكأن خالداً الذي وهبه روحه استحلفه أن يأتيه بما فاته. 
ـ تلك روحي يا رفاعي ، لكن العهد عليك ، لا أريد أن أموت مرتين على فراشي .. الشهادة يا رفاعي .. لا تحرمني ثانية منها!
هاهي الحرب تخطو خطوتها الأخيرة ، والعدو يسابق إلى احتلال السويس قبل وقف إطلاق النار ، وهو يسابق العدو والحرب في الحصول على الشهادة قبل أن تنتهي الحرب ، يمضي بفرقته ليعطل قوات العدو على طريق السويس الاسماعيلية ، يعمل كمائن في منطقة نفيشة ، ويشترك في القتال بنفسه ، دمر دبابتين بنفسه ، كان يحارب كما لم يحارب من قبل ، وكأنه كان قد رجع للحرب بعد غيبة طويلة ، فيحارب بشوق شديد .. لا .. لم يكن الجوع إلى القتال ، فلم يتوقف يوماً عنه .. لكنه كأنه يرى طيف خالد من بعيد يستطلبه وعده ..
ـ الشهادة يا رفاعي. 
وابتسم أخيراً .. الرجل الذي لا يهدأ ، آن له أن يهدأ ، وقد نال ما يريد ، وأكمل للعبقري خالد ما افتقده ، ما أروع أن يقدم التلميذ للأستاذ ما ينقصه ، وما أروع أن يرى الشهيد البطل أستاذه ينظر إليه من بعيد بعين الرضا ، إنه مشهد سماوي تعبقه رائحة الجنة. 

رحم الله أبا سامح .. لا نقول عنه إلا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأستاذه خالد : قد كنت أرى لك عقلاً رجوت ألا يسلمك إلا إلى خير. ولا نجد في وداعك إلا ما قالته أم خالد وهي تودعه .

أَنْتَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ أَلْفٍ مِنَ النَّاسِ إِذَا مَا كُبُّتْ وُجُوهُ الرِّجَالَ
أَشُجَاعٌ فَأَنْتَ أَشْجَعُ مِنْ لَيْثٍ عَرِينٌ حَمِيمُ أَبِي شِبَالٍ
أَجَوَّادٌ فَأَنْتَ أَجْوَدُ مِنْ سَيْلٍ دِيَاسٍ يَسِيلُ بَيْنَ الْجِبَالِ
صدقت يا أم خالد ، وصدق عمر بن الخطاب لما سمعك تقولين هذا ، إذ قال : رحم الله أبا سليمان ، هل قامت النساء عن مثل خالد ؟ ونحن أيضاً ياابن الخطاب نقول : رحم الله أبا سامح ، عجزت النساء أن يلدن مثل الرفاعي .

استطلاع الرأي

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 3,566 شراء 3,589
عيار 22 بيع 3,269 شراء 3,290
عيار 21 بيع 3,120 شراء 3,140
عيار 18 بيع 2,674 شراء 2,691
الاونصة بيع 110,894 شراء 111,605
الجنيه الذهب بيع 24,960 شراء 25,120
الكيلو بيع 3,565,714 شراء 3,588,571
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الجمعة 08:07 مـ
15 جمادى آخر 1447 هـ 05 ديسمبر 2025 م
مصر
الفجر 05:04
الشروق 06:36
الظهر 11:45
العصر 14:36
المغرب 16:55
العشاء 18:17