"رامي علم الدين" يكتب.... في لحظات المصير
لاشك أن مصر اليوم أمام أصعب الخيارات في تاريخها الحديث، وسط عالم يعج بالمؤمرات والخبث، فمصر دولة مؤسسات وهذا ماجعل الرئيس السيسي ينتظر بهدوء وثقة جلسة البرلمان رغم تزايد احتمالات انفجار الموقف أي لحظة ؟
هجوم تركيا وقوات حكومة الوفاق على سرت والجفرة سيحدد مستقبل الحرب في ليبيا، ويضاعف من خطرتصعيد الصراع، وبعد ذلك، لن تبقى الأمور بيد اللاعبين الليبيين إنما بيد مصر والدخيل التركي بالدرجة الأولى، وهكذا ستجد مصر نفسها في مواجهة ملفات حساسة يمكن أن تشكل تهديدًا لها، ويمس موقعها كدولة عربية وأفريقية كبرى، وتزامن اشتعال الوضع في ليبيا مع المأزق في مفاوضات سد النهضة، وتمثل الأزمتان تحدياً مباشراً للأمن الإستراتيجي المصري والعربي، تطورات الأحداث وأبعادها يمكن أن تدفع إلى تغيير العقيدة الدفاعية المصرية المتبعة منذ حقبة مابعد أكتوبر73 لأن الاستسلام للأمر الواقع الذي تحاول قوى إقليمية منافسة فرضه سيشكل تهديداً مباشراً ووجودياً.
صانع القرار فى نهاية المطاف يتخذ القرار الأنسب وفق تقدير الموقف والخيارات الأكثر ضمانة لتحقيق أكبر مستهدف وأقل ضرر، مصر تواجه تهديدات غير مسبوقة لم تعرف لها مثيلاً، تزامن التهديد من الغرب في ليبيا ومن الجنوب الأفريقي، لا تلتفتوا لما يتردد من وقت لآخر عن زحف لميليشيات الوفاق وتعديلها للخط الأحمر "سرت" فهم مازالوا علي مسافة 100-120كم غرب سرت دون حراك.
إنها الحرب النفسية، أردوغان عمليًا لن يستطيع أن يدير معركة على الأرض على بعد 2400 كم وسط سخط شعبي ليبي مهمة جنونية مرجح أنها ستكلل بالفشل كعادة الأتراك دائمًا حيث فشل في تحقيق مكاسب على حدوده مع سوريا ، كما أن المجتمع الدولي العالمي لن يصمت تجاه تعطيش 150 مليون إنسان وتعريضهم للخطر جراء إقامة سد مائي يفتقد إلى الشرعية والتوافق الدولي.
مصر القوية بحكمتها تملك أقوي جيش في تاريخها الطويل، التاسع عالميا، والأول عربياً وأفريقيا، وبقدر قوة جيش مصر وإمكانيات، بقدر عظم مسئولية إتخاذ قرار الحرب، سياسيًا هناك مقولة تقول : "لو دارت آلة الحرب الجبارة فلا يملك أحد إيقافها، أنت تملك فقط قرار البداية"، لا شك أن مصر قادرة على الحفاظ رباطة الجأش وضبط النفس لأقصي درجة، وستتمسك بالحل السياسي لآخر قطرة، فهناك تحرك دبلوماسي مصري قوي شرقًا وغربًا لحشد الرأي العام العالمي.
إن الإستناد إلى البعد التاريخي للدولة والظهير الشعبي القوي والمساند والرصيد الإيجابي من خلال سلسلة علاقات دولية منتظمة وفق المصالح من واشنطن إلى باريس وموسكو، سيتيح لصانع القرار المصري التحكم بإدارة الأزمتين خاصة في ظل ما عرف عنه من مهارة الإبحار بصبر وثبات فوق النيل.
الدفاع عن النفس في وجه الإرهاب في سيناء ومواجهة السعى الأيديولوجي الحثيث لتحطيم أركان الدولة، كذلك الدفاع عن الأمن المائي وعن أمن الحدود يقتضي الحزم والحكمة، من هنا فإن فكرة الصدام العسكري يجب أن تكون “الطلقة الأخيرة” بعد استنفاد كل وسائل القوة الناعمة مع عدم إغفال السعي لردع استباقي أمام التهديد القادم من خط سرت – الجفرة، إذ أن تركيا رغم ما أرسلته من إشارات سياسية تبدو وكأنها غير مبالية بالسير نحو صدام مسلح مباشر مع مصر، من هنا جاءت المناورات الأخيرة “حسم 2020 ” والحشد في الغرب تتويجاً للاستعدادات في حالة صدر الأمر الإستراتيجي بالتدخل بناء على طلبات البرلمان الليبي والقبائل الليبية، وموافقة البرلمان المصري على إرسال قوات خارج الحدود لحماية الأمن القومي.
هكذا تجد مصر نفسها في محيط جيوسياسي مضطرب وتحيط بها تحديات من كل إتجاه، القاهرة تراهن على ضغط دولي يحد من الجنوح التركي، تبدو حريصة على عدم الإنزلاق في تجربة، استنزاف لقدراتها الموجهة حالياً لتنفيذ خطط طموحة للقفز إلي الأمام عسكرياً وإقتصادياً.
هناك لحظة فارقة عندها تتقرر مصائر الأمم ولا يجدي معها التردد أو التراجع، في النهاية نظل نتمسك بخيار السلام والتفاوض، ونأمل ألا يضطر خير أجناد الأرض إلي اللجوء لخيار القوى الغاشمة في مواجهة التحديات المحيطة غربا وجنوبا، نجاح القاهرة في إدارة هذه الأزمات يمكن أن يعزز موقعها ويحقق نقلة نوعية لدورها الإقليمي.
رامي علم الدين


















