×
15 جمادى آخر 1447
5 ديسمبر 2025
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي

الملح الفاسد

الملح الفاسد
الملح الفاسد

بقلم : د.صلاح شفيع 

قال الأحنف بن قيس : شكوت إلى عمي وجعاً في بطني فنهرني وقال : إذا نزل بك شيء فلا تشكه إلى مخلوق مثلك لا يقدر على دفع مثله عن نفسه ولكن اُشكُ لمن ابتلاك به فهو قادر على أن يفرج عنك ، يا ابن أخي إحدى عيني هاتين ما أُبصرُ بها من أربعين سنة ، وما أخبرت امراتي بذلك ولا أحداً من أهلي. 

قال أبو الدرداء : « ثلاث من ملاك أمرك يا ابن آدم : أن لا تشكو مصيبتك ، وأن لا تحدث بوجعك ، وأن لا تزكي نفسك بلسانك » . لأن من يشكو مصيبته فقد شكا الله ، وفي رأينا أن من يشكون الله أشبه بملح قد فسد ، ومن يصلح الملح إذا الملح فسد ؟! ، لذلك قال الفضيل بن عياض لرجل يشكو: 

ـ « يا هذا ، تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك » . 

ولو أراد ابن عياض أن يترجم ما قاله شعراً لقال : 

ياباري القوس بريا ليس يصلحه لاتظلم القوس أعط القوس باريها

أو قال كما قال بشار: 

أَعمى يَقودُ بَصيراً لا أَبا لَكُمُ قَد ضَلَّ مَن كانَتِ العُميانُ تَهديهِ ثمة رجل كان يراه النبي صلى الله عليه وسلم في أول الصلاة ، لكنه يسارع في الانصراف ، فلا يراه النبي في آخرها ، فعمد النبي أن ينظر خلفه بمجرد أن انتهت الصلاة ، فوجده عند الباب ، فناداه ، فلما جاء قال له صلى الله عليه وسلم : 

ـ أزهداً فينا ؟ 

ـ لا ، والذي بعثكَ بالحق ، لكن لي امرأة بالبيت تنتظر ردائي هذا لتصلي فيه . 

فدعا النبي صلي الله عليه وسلم لهما بالخير ، ورجع الرجل متأخراً إلى زوجته ، فقالت : 

ـ تأخرت علينا مقدار مئة تسبيحة ، فما أخرك ؟ 

ـ استوقفني رسول الله ؛ فحكيت له عن سبب انصرافي سريعاً . 

ـ يرحمك الله ، أتشكو ربكَ لمحمد ؟؟ 

إنها إبراهيمية ، ليست إبراهيمية الملة فحسب ، بل والطبع أيضاً ، تذكرنا بإبراهيم عليه السلام والأمين جبريل يأتيه وهو في المنجنيق بين السماء والأرض ليلقى في النار ، ألكَ حاجة يا إبراهيم ؟ فيقول له : أما لكَ فلا ، وأما له ، فهو أعلم بحالي . هذه المرأة تعرف الله عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم ، فلا تلجأ إلا إليه .

ومادمنا مع امرأة أقرب إلى إبراهيم الخليل خلقاً ، فلنذهب مع إبراهيم عليه السلام نفسه ، وقد ماتت زوجته هاجر ، وابنه إسماعيل يعيش وسط قبيلة جرهم ، تعلم منهم العربية واتقنها ، وأثار إعجابهم بترويض الخيل ، والصيد ، فزوجوه . وهاهو قد خرج إلى الصيد ليبتغى طعاماً لبيته ، فيقدم أبوه في غيبته يسأل عنه ، فلما لم يجده ، يسأل امرأته عنه . فتخبره بأنه خرج يبتغي لهم ، ثم سأل عن عيشهم فقالت : 

ـ نحن بشرٍّ ، في ضيق وشدة . 

وشكت إليه وهي لا تعرف أنه أبو زوجها ، قال : 

ـ إذا جاء زوجك فاقرئيه السلام ، وقولى له : يغيِّر عتبة بابه . 

فلما جاء إسماعيل كأنه أنس شيئاً ، فسألها : 

ـ هل جاءكم من أحد ؟ 

ـ نعم ، جاءنا شيخ كذا وكذا ، فسألنا عن عن عيشنا فأخبرته أنا في شدة وجهد .

ـ هل أوصاكِ بشيء ؟ 

ـ نعم : أمرني أن أقرأ عليك السلام ، ويقول لكَ: غيّر عتبة بابك . 

ـ ذلك أبي ، وقد أمرني أن أفارقكِ ، الحقي بأهلكِ . 

هذا شرعٌ في الطلاق ، فأبو الأنبياء يأمر بالطلاق لامرأة تشكو زوجها لغريب ، لأنها لا تدري أنه حموها . فهذا قانون في وجوب تطليق مثل هذه المرأة التى تُخرج سر بيتها ، ولا تكون غطاءً لهذا السر حتى يجعل لها الله مخرجاً . 

وتزوج ابنه إسماعيل أخرى من عائلتها ، ومرة أخرى بعد مدة يحضر أبوه الخليل فلا يجده ، فيسأل عنه امرأته ، فتخبره بأنه خرج يبتغي لنا . 

ـ كيف أنتم ؟ 

ـ بخير ، ونحن في سعة ، فلله الحمد والمنة . 

ـ ما طعامكم ؟ وما شرابكم ؟ 

ـ طعامنا اللحم ، وشرابنا : الماء . 

ـ اللهم بارك لهم في اللحم والماء . إذا جاء زوجك فاقرئي عليه مني السلام ، وقولي له أن يثبت عتبة بابه . 

فلما جاء إسماعيل قال : هل أتانا أحد ؟ 

ـ نعم ، أتانا شيخ حسن الهيئة ، وسألني عنكَ فأخبرته ، وسألني عن عيشنا ، فقلت إنا بخير .

ـ هل أوصاكِ بشيء ؟    

ـ هو يقرأ عليكَ السلام ، ويقول لكَ أن تثبت عتبة بابكَ . 

 إننا أمام صورتين متقابلتين ، امرأة راضية فارتضاها الخليل لابنه ، وأخرى شكاءة ، تفضح زوجها لغريب ، فيكون الحكم عليها بأن تُحرم من النعمة ، وأي شر أكثر من تحرم امرأة من أن تكون زوجة ذبيح الله ؟؟ وأخرى تستر زوجها وتكرم ضيفها ، فتكون سبباً في نعمة لا تزول على كل من سكن مكة إلى يوم القيامة . 

يقول صلى الله عليه وسلم تعقيباً على دعاء إبراهيم عليه السلام : ( اللهم بارك لهم في اللحم والماء) : يومئذ لم يكن حب ، ولو كان لهم حب دعا لهم فيه ، قال : فهما (أي اللحم والماء ) لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه . 

إن الشكوى كالذل ، كالتميمة ، فالتميمة يعلقها صاحبها لينجو من شر ، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على من يعلق تميمة بألا يتم الله عليه غرضه . فهي توصل إلى عكس مقصودها ، كالدبة التى تقتل من تحب ، كذلك الشكوى لا تأتي بخير ، تشكو فتزداد معاناة . لأن الله عز وجل يريد منك أن تشكره على النعم ، فإن شكوت ، أراد تنبيهك أنك لم تكن محقاً في شكواك ، وأنك كنت ذا نعم ولم تشكر ، وأبدلت بالشكر ذماً وجحوداً ، وهنا أنت بين شيئين أن تكون عاقلاً وتفطن أن تلك المصيبة الجديد إنذار ، هدفه ردك إلى الجادة ، والانتباه إلى ما معك فتلزم الشكر ، أو تظل على ضلالك ، وتمعن في الشكوى انطلاقاً من أن المصائب زادت فوجب زيادة الشكوى ، ومن لا يفطن للإنذار يجتاحه العدو ، تتوالى المصائب ولا تتوقف . فإذا جاءتك المصيبة فتشمم منها الإنذار ، وارجع إلى الشكر . 

 وهذا يونس بن عبيد يقف بين يديه رجل يشكو ضيق حاله . أتدرى ماذا قال له يونس ؟ قال : 

ـ أيسرك ببصرك هذا الذي تبصر به مائة ألف درهم ؟ 

قال الرجل : لا . 

قال يونس : فبيديك مائة ألف درهم . 

قال الرجل : لا . 

قال يونس : فبرجليك ؟ 

قال الرجل: لا . 

وظل بونس يعدد له ما عنده من نعم الله ، والرجل لا يرضى أن يفقد إحداها بمائة ألف درهم ، وهنا قال له يونس : أرى عندك ما بين مئات آلاف ، وأنت تشكو الحاجة . 

حقاً ، لن يعلم أنه كان في نعمة إلا إن فقدها ، وهل رأى أبونا الأول آدم ما كان بين يديه من نعمة إلا بعد أن فقدها ؟ إن المقاتل على الدنيا ، ويخوض غمار غابات من أجل بعض متاعها ، لو وقع في حفرة وانكسرت رجله ، وشارف على الموت ، فلا أحد يمر لينقذه ، سيصبح أعظم أمانيه لو رجع من حيث أتى برجله المكسورة . 

ما أروعه شاعراً ! وهل يمكننا ونحن نتحدث عن الشكوى أن ننسى طبيبها ، ذلكم الشاعر إيلياء أبو ماضي : 

 أيّهذا الشّاكي وما بك داء كيف تغدو اذا غدوت عليلا؟

 وترى الشّوك في الورود ، وتعمى أن ترى فوقها النّدى إكليلا

هو عبء على الحياة ثقيل من يظنّ الحياة عبئا ثقيلا

والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئا جميلا

ليس أشقى مّمن يرى العيش مرا ويظنّ اللّذات فيه فضولا

أحكم النّاس في الحياة أناس عللّوها فأحسنوا التّعليلا

فتمتّع بالصّبح ما دمت فيه لا تخف أن يزول حتى يزولا

وإذا ما أظلّ رأسك همّ قصّر البحث فيه كيلا يطولا

أدركت كنهها طيور الرّوابي فمن العار أن تظل جهولا

كلّ نجم إلى الأفول ولكنّ آفة النّجم أن يخاف الأفولا

غاية الورد في الرّياض ذبول كن حكيما واسبق إليه الذبولا

وإذا ما وجدت في الأرض ظلاّ فتفيّأ به إلى أن يحولا

قل لقوم يستنزفون المآقي هل شفيتم مع البكاء غليلا؟

ما أتينا إلى الحياة لنشقى فأريحوا ، أهل العقول، العقولا

كلّ من يجمع الهموم عليه أخذته الهموم أخذا وبيلا

كن هزارا في عشّه يتغنّى ومع الكبل لا يبالي الكبولا

لا غرابا يطارد الدّود في الأرض ويوما في اللّيل يبكي الطّلولا

أيّهذا الشّاكي وما بك داء كن جميلا تر الوجود جميلا. 

استطلاع الرأي

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 3,566 شراء 3,589
عيار 22 بيع 3,269 شراء 3,290
عيار 21 بيع 3,120 شراء 3,140
عيار 18 بيع 2,674 شراء 2,691
الاونصة بيع 110,894 شراء 111,605
الجنيه الذهب بيع 24,960 شراء 25,120
الكيلو بيع 3,565,714 شراء 3,588,571
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الجمعة 11:26 مـ
15 جمادى آخر 1447 هـ 05 ديسمبر 2025 م
مصر
الفجر 05:04
الشروق 06:36
الظهر 11:45
العصر 14:36
المغرب 16:55
العشاء 18:17