×
15 جمادى آخر 1447
5 ديسمبر 2025
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي

مذكرات مهاجر مجهول (16)

المصريين بالخارج

و بعد انتهاء يوم من ايامي في وحدة القسطرة وصلني تليفون من زوجتي تخبرني فيه انها حامل. عندها تدفق عليّ احساس جميل بالحنان و كأن طفلي قد ولد و احمله بين ذراعيّ. احسست أنه صار لي امتداد جسدي و روحي على بعد اربع ساعات بالقطار من ميلانو. و في محطة قطارات ميلانو المركزية الهائلة سمعت الكثير من "وأوأة" الرضع التي لم اكن اسمعها من قبل و شاهدت العديد من الامهات تدفع عربات الصغار على الارصفة و كأن هذا شئ لم اكن الحظه من قبل.

و عدت لزوجتي فوجدتها و قد اضاء وجهها نور جديد لم اكن اراه من قبل و كأن روحا اخرى قد دخلت فيها. وقضينا اجازات عيد الميلاد الطويلة في اسعد حال.

و في خلال هذه الاجازات جاء صديقي البرتو، اليهودي، هو و خطيبته الكاثوليكية لقضاء بعض الأيام معنا. و ذهبنا في احد الايام لقضاء فسحة في احد جبال الالب القريبة منا. ووصلنا بالسيارة التي لفننا حول عجلاتها سلاسل من الحديد لمنعها من التزحلق على الاسفلت المتجمد على الطرق الجبلية. و عندما وصلنا للمكان الذي كنا سنبدأ منه الصعود مشيا على اقدامنا حتى الملجأ الجبلي الذي كنا نقصده، تقابلنا مع صديقة طفولة زوجتي "فالّلي" و خطيبها الالماني "بيتر". فقدمتها لألبرتو و خطيبته و اخبرتهم ان بيتر الماني الجنسية. احسست بامتعاض على وجه ألبرتو يحاول جاهدا ان يداريه.

و عندما اختليت به خلف القافلة الصغيرة سألته " هل هناك شئ يزعجك؟". قال: ابدا و لكنك صديقك الالماني ذو الملامح الآرية ارجع لذهني ما حكوه لي والديّ و اجدادي عن العذاب الذي شاهدوه على ايدي الالمان. لقد رُحّلوا في قطارات البهائم من ايطاليا في رحلة طويلة شاقة الى معسكرات الاعتقال المخصصة باليهود في بولندا.

و هناك قتل الالمان بالغازات السامة كل من كان لا يقدر على العمل و حرقوا جثثهم في افران من الحجارة، اما من كان قادرا على العمل فكان يعمل سخرة في مشروعات الجيش الالماني.

و هذه هي الحقيقة ايها السادة. ان محرقة اليهود في الحرب العالمية الثانية حدثت حقًا و هذه الحقيقة لا يمكن انكارها. كثير من العرب و المسلمين يميلون لإنكار قصة المحرقة هذه، و لكني اؤكد انها حصلت بالفعل و بهذه الوحشية و العنف التي وصفت بهما. و قد زرت معسكري "أوشفيتس" و "بيركناو" في بولندا و رأيت الزنازين و غرف الغاز و رأيت الافران و بقايا حوائج الناس من نظارات و شنط و احذية و كذلك الاشولة التي كانوا يصنعونها من الشعر المقصوص للقتلى و الذي كان يستخدم في عمل الاكياس و الاشولة.

تختلف ارقام القتلى اليهود و لكن اقل رقم هو اربعة مليون و نصف خلال ٦ سنوات من الحرب الضروس في كل اوروبا. و الحقيقة ان عمليات القتل الجماعي اليهود في هذه الحرب اللعينة لم يقم بها الالمان وحدهم فقط و لكن الايطاليون و الفرنسيون و الروس و البولنديون شاركوا في هذه المذابح و الغرض منها كان ابادة اليهود بالكامل فيما سمى "بالحل النهائى" للمشكلة اليهودية. و آخر مذابح اليهود في هذه المجزرة العالمية كانت بيد البولنديين و التي حدثت بعد استسلام المانيا و انتهاء الحرب فعلياً. فيها قتل بعض الفلاحين البولنديين ٤٩ يهودياً من قريتهم و دفنوهم في مقبرة جماعية، و بعضهم ما زال حيا، بعد ان استولوا على اثاث بيوتهم و سرقوا ملابسهم و اخذوا حليهم الذهبية. و في هذا لم يتورعوا عن قص الاصابع و اقتلاع الاسنان الذهبية للموتى.

يجب علينا ان نصدق ان هذه المحرقة حدثت بالفعل لأن هذه هي حقيقة موثقة تماما، و لكن الفلسطينيين لم يكن لهم فيها اي ذنب بالطبع.

و رغم مظاهر المودة و العطف التي يظهروها الاوروبيون الحاليون تجاه اليهود الا انني اعتقد انهم في نهاية الامر سعيدون بذهاب اليهود للعيش في فلسطين التي غيروا اسمها الى اسرائيل. ما زال هنالك كره لليهود، و هو المسمى هنا بمعاداة السامية، بين جميع الاوساط في أوروبا . يبدو ان الاوربيون قد ساعدوا على انشاء اسرائيل اساسا في سبيل الخلاص من اليهود و ابعادهم عن اوروبا.

اما الألمان فعندهم عقدة مما حدث في الحرب العالمية الثانية، و قالت لي صديقة ألمانية، جراحة قلب و صدر، ان الالمان كانوا حتى وقت قريب ينكرون انهم المان اذا خرجوا من المانيا ، و ان كثير منهم كان يدعي انه سويسري او نمساوي، و ذلك حتى لا يتعرضون للتجريح المستمر.

و بالطبع صديقي الألماني العزيز ليس له أي ذنب فيما ارتكب الالمان من جرائم حرب، و لكن مازال هناك جرح خبيئ في داخل نفوس كل الالمان حتى الآن. و رغم ذلك، هذا لم يمنع ان تظهر كراهية عنصرية جديدة ضد الاتراك الذين يعيشون في المانيا منذ عقود، و هم الذين ساهموا في اعادة بناءها بعد الحرب. و حتى صديقي بيتر يقول ان الاتراك يجب ان يتركوا المانيا لانهم ليسوا اوروبيون. و قال ايضا ان الاتراك لا يجب ان يدخلوا الاتحاد الاوروبي لنفس السبب. فقلت له؛" لماذا لا يحق لهم دخول الاتحاد الاوربي و عندما مقاطعات كبيرة، بحجم سويسرا تقريبا، داخل خريطة اوروبا، و قد حكموا نصف اوروبا لقرون عديدة". فقال لا، انهم مسلمون، و اوروبا هي قارة مسيحية يهودية. فلم اوافقه بالطبع لان هناك ملايين الاوروبيين الاصليين ذوي ديانه اسلامية منذ قرون في شرق اوروبا، هذا غير ملايين اخرى من المسلمين المهاجرين في اوروبا الغربية. و لكن يبدو لي ان التاريخ سوف يعيد نفسه و هذه المرة سيكون الدور علينا نحن المسلمون.

و طفقنا صاعدين في الدرب المتعرج الى وجهتنا و هي ملجأ جبلي صغير مفتوح للجميع، يلجأ اليه محبي السير في الجبال، و من العادة ان يكون به مدفئة يشعلها من يصل هناك بعد جمع بضع من الحطب و في بعض الاحيان يوجد ايضا قليل من الخشب في الملجأ. و فيه طاولة للاكل و بعض الكراسي و احياناً تجد ايضا بعض علب المأكولات المحفوظة او زجاجات المياه التي تركها من سبق هناك.

و في طريقنا مررنا بجانب نهر صغير متجمد في بعض جوانبه. و صاحت خطيبة الالماني: من فيكم يا رجال يستطيع غمر نفسه بالكامل في مياه هذا النهر الثلجية. ألبرتو قال:"انا لا استطيع"، و لكن بيتر قال:"انا استطيع" و بدأ في خلع ملابسه. اما انا فقلت: "سأحاول انا ايضا". و خلعنا ملابسنا انا و بيتر ، رغم الجو القارس البرودة. و نزلنا بأقدامنا في المياه الصافية المثلجة. لم يستطع بيتر ان يغمر نفسه اكثر من ركبتيه في المياه المرصرصة، اما انا فقلت: "هي موتة و لا اكثر"، و خجلت من ان اتراجع و قررت المضي في التحدي رغم ارتعاشي من شدة البرد. و توكلت على الله و غطست بالكامل في النهر الشبه متجمد و نجحت في البقاء و رأسي تحت الماء حوالي ٣٠ ثانية. و خرجت برأسي و انا اشهق و اتنفس بصعوبة لحدوث تقلص في القصبة الهوائية. و الحمد لله لم يدم هذا التقلص الا دقيقة او اثنين ، و هذا الانقباض في الحنجرة و القصبة الهوائية يحدث كرد فعل طبيعي للتعرض الفجائي للبرودة الشديدة.

خرجت من النهر وانا ارتعد و جففت نفسي بالفوطة التي كنت احملها في مخلتي مع غيار داخلي و ملابس احتياطية. و وجود غيار للملابس الداخلية و الخارجية معك مهم جدا عندما تسير في الجبال وذلك استعدادًا لأي ظروف. و يستحسن دائما تغيير فانلتك الداخلية في الملجأ قبل النزول بسبب العرق الغزير، الذي يحدث، سواءاً في الصيف او في الشتاء، عندما تصعد هذه الجبال العالية مشياً على الاقدام. و كانت زوجتي في غاية السعادة و هي فخورة بزوجها الذي استطاع ان يفعل ما لم يستطع عمله الالماني حفيد جنود الجيش البروسي الذين لم يكونوا يستخدمون الماء الساخن في الاستحمام أبدًا.

كان احساسا غاية في الجمال عندما اضرموا النار في مدفئة الملجأ و جلست استمتع بالدفء و تناول الشطائر و الفواكه ثم القهوة التي احضرناهم معنا و كذلك التمتع بمشاهدة البانوراما الرائع من شباك الملجأ. كانت قمم جبال الالب المحيطة بنا و المغطاة بالثلوج الدائمة ترتفع في شموخ فوق السحاب. و تحتها تمتد السهول السحيقة و غابات الصنوبر الواسعة تتخللها الجداول و الانهار الجبلية.

و بعد راحة حوالي الساعة بدأنا في النزول. و النزول اسهل من الصعود طبعا و لكنه اخطر و معظم الحوادث تحدث اثناء النزول. تعجبت خطيبة البرتو من استطاعة زوجتي المشي الشاق في الجبال و هو حامل. قلت لها اننا معتادون علي المشي و كنا فعلا من هواة ذلك ، و كنا نمشي في دروب الجبال القريبة منا في كل عطلات الاسبوع تقريباً. فقط يجب الذهاب دائما في جماعة لا تقل عن ثلاث افراد، منهم واحد يعرف الطريق جيدا، لانه توجد مخاطر كبيرة ، كما حدث اي مرة ساحكي لكم عنها فيما بعد.

استطلاع الرأي

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 3,566 شراء 3,589
عيار 22 بيع 3,269 شراء 3,290
عيار 21 بيع 3,120 شراء 3,140
عيار 18 بيع 2,674 شراء 2,691
الاونصة بيع 110,894 شراء 111,605
الجنيه الذهب بيع 24,960 شراء 25,120
الكيلو بيع 3,565,714 شراء 3,588,571
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الجمعة 09:52 مـ
15 جمادى آخر 1447 هـ 05 ديسمبر 2025 م
مصر
الفجر 05:04
الشروق 06:36
الظهر 11:45
العصر 14:36
المغرب 16:55
العشاء 18:17