قرأت لك في عيد النصر ... روئة لواء دكتور سمير فرج
عادل شلبى المصريين بالخارجفي الثالث والعشرون من ديسمبر، من كل عام، تحتفل مصر، وأهل بورسعيد، بذكرى "عيد النصر"، الذي يمثل واحداً من أنقى وأطهر الانتصارات المصرية. فلازلت أذكر تفاصيل تلك الفترة العصيبة، من تاريخ مصر، رغم حداثة سني حينها، عندما استيقظت، في مدينتي الحبيبة بورسعيد، على أصوات المدافع والقنابل من البحر والجو، فاندفعت إلى الشرفة لأرى، عن بعد، قوات المظلات البريطانية تهبط في مطار الجميل، ببورسعيد، بينما والدي يوجه الراديو لمحطة BBC، فسمعنا إنذاراتها لأهالي بورسعيد بالنزول للمخابئ، والابتعاد عن شارع البحر، إذ تقصف البوارج البحرية المدينة، مطالبة المواطنين بعدم التعرض للقوات البريطانية!
وبعد يومين من البقاء بالمخابئ، أعلنت الإذاعة وقف إطلاق النار، فصعدنا لمنزلنا، ووجدنا جميع نوافذه محطمة، وقررت أن أصاحب والدي للاطمئنان على جدتي. وفي الطريق لمنزلها، بشارع الثلاثيني، رأينا العشرات من الشهداء، على كل ناصية، تسيل دماءهم الطاهرة، وبجانبهم سلاحهم المتواضع الذين استبسلوا به في الدفاع عن بلدهم. ووصلنا لميدان المحافظة، فكانت كل مبانيه محترقة، لازالت الأدخنة تتصاعد منها، نتيجة قصفها بالنابالم، رداً على إطلاق المقاومة الشعبية للنيران على قوات الغزو. وسمعنا مكبرات الصوت، على المدرعات البريطانية، تطالب المقاومة الشعبية بالاستسلام، وتسليم سلاحها.
وظلت بورسعيد، حتى 23 ديسمبر، يوم انسحاب القوات البريطانية والفرنسية، ودخول قوات الجيش المصري، إلى بورسعيد، في أجمل طابور عسكري، شهدته طيلة حياتي؛ فطوال فترة وجود الإنجليز، وحتى انسحابهم، لم يغمض لهم جفن، بسبب عمليات المقاومة الشعبية، التي كانت تصلها الأسلحة عبر بحيرة المنزلة. فنجحوا في خطف الضابط مور هاوس، ابن عمة ملك بريطانيا، واغتيال الميجور وليامز، رئيس المخابرات البريطانية، في بورسعيد، ولم تكن تمضي ليلة، إلا والفدائيين قد هاجموا أماكن تجمع القوات البريطانية، حتى قبضت القوات المعتدية على أحد أبطال المقاومة الشعبية، البطل مهران، ونقلوه لقبرص، واقتلعوا عينيه لوضعها لضابط بريطاني مصاب.
ومع ذلك، عاش أهالي بورسعيد في ملحمة وطنية، فرفضوا تفريغ شحنات الخضروات والطعام، من السفن البريطانية، القادمة من قبرص، واكتفوا بالعيش، خلال هذه الفترة، على شحنة بطاطس، كانت جاهزة للتصدير، في الميناء، بينما عاشت القوات البريطانية في جحيم، حتى انسحابهم يوم 23 ديسمبر، من نفس العام، بسبب بسالة الشعب المصري العظيم، وأبناء بورسعيد، ورجال القوات المسلحة. وفي ذكرى هذا اليوم التاريخي، نستدعي، مجدداً، قدرة الشعب المصري العظيم، على فعل المعجزات، مثلما قضى على سمعة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.