عندما تعاني المعاني
من السهل على الإنسان أن ينبهر بشعارات وكلمات ومقالات وشروحاتٍ ومعاني، لبعض المصطلحات الجميلة في شكلها، والتي تأخذ عقول الكثيرين وبالأخص الشباب، وتلهب حماسهم وتغدغ فيهم المشاعر ليتمنوا العيش في معاني تلك المصطلحات والكلمات، وبالأخص حين تنهال علينا أجهزة الإعلام وأدواته بما يحيل الأمر إلى أحلام يتمناها الجميع.
لا أبالغ حين أُسقط كلماتي هنا على مفاهيم ومعاني الحريات المطلقة والديمقراطية الغربية التي أراد صانعوها أن يتم تصديرها إلى بلادنا كيفما يرون هم معانيها لنا، ولا خلاف في أن الحريات الشخصية والعامة من الأمور الغير مختلف عليها في المعنى الصائب لها وبالمحددات الإنسانية بل والأخلاقية التي تنتج حرياتٍ منضبطة بضوابط حق الآخرين في العيش على نفس الأرض التي يعيش عليها الجميع، كذلك فإن مفهوم الديمقراطية التي تعني بأن يختار الناس كيفية إدارتهم بالطريقة التي يرونها مناسبة لهم، هو معنى لا غبار عليه.
إلا أن الذي يمكن أن يعاني منه الناس قد يكون عظيم، بسبب تصدير تلك المعاني على الشكل والنحو الذي يناسب الغرب ولا يناسبنا في الكثير من تفاصيله وليس في المعنى العام له، وقد كنا نقول ذلك في أزمنة كثيرة وقوبلنا بالنقد والرفض والكيد والاتهامات حينها، إذ كيف نقول بأن للحرية محددات، وأن من يتعدى على الحقوق العامة فهو مجرمٌ يستحق العقاب والإيقاف وليس إعطائه أي حرية.
ولم نزل في هذا السجال حتى طالعتنا القنوات الأجنبية قبل المحلية بممارسات شاذة في قلب البلاد التي تتمسك بالحريات المطلقة والديمقراطية، لنرى على الشاشات وعلى الهواء المباشر كيف يتعدى بعض الأمريكيين على مبانٍ عامة لها من الرسمية والرمزية ما لها، بمشاهد عبثية يتعدى فيها المتظاهرون على رجال الأمن ويتدافعون ليوقفوا بالقوة أعمالًا دستورية واجبة النفاذ، في نموذج أقل ما يوصف بأنه ضد أي آلياتٍ ديمقراطية.
حينها شاهدنا كيف وبمنتهى القوة، يتدخل رجال الأمن لحفظ الأمن بوقف أي متجاوز أو متعدي، وكيف لا يعيب أحدٌ لديهم على رجال الأمن في أنهم يوقفوا هؤلاء المتعدين على الحريات العامة للآخرين ممثلة في المباني الرسمية للدولة.
والذي أقصده هو أن لكل حرية ضوابط سواءًا لدينا أو لدى أي من البلدان الغربية التي أطلقت معاني الحريات المطلقة على أسماعنا كثيرًا، وأثقلتنا بسيل من الاتهامات بخروقات حقوق الإنسان، في حين أنهم وفي أول منعطف يتجاوز فيه الفرد ضوابط الحرية، يكونون سباقين في إيقافه وضبطه لنرى معنى آخر للحرية، ومفاهيم أخرى للديمقراطية، في أرض الحريات والديمقراطية.
إن الحرية والآليات الديمقراطية لمعانٍ نقبلها ونعمل عليها بل ونتمسك بها، إلا أن استخدامها بشكل يؤدي إلى أي تعدٍ وتجاوز على حريات الآخرين أو الممتلكات العامة، يجب معه إيقاف المتعدي والتصدي له بمعاني الحرية الصحيحة التي تبني في الأوطانِ وليست معاني التخريب والتدمير.
