الماضي ... لم يكن جميلًا
إن الأيام كفيلة بأن تصبغ على ما مر بها من أحداث بل وشخصيات قداسة مرة، وعظمة مرة أخرى، وأفضلية عن الحاضر الذي يعيشه الإنسان على أقل تقدير مرة ثالثة، وذلك لأن الإنسان يحن للماضي، أكثر مما يتطلع للمستقبل، بالإضافة لأن الإنسان لا يأخذ شرعيته مما يفعل هو أو من واقعه، بل لابد أن يمنحه تلك الشرعية من عاشوا في أزمان تسبقه، خاصة في تلك المجتمعات التي تعاني واقعا مأزوما.
في أيام الانكسارات والانهزامات التي تمر بها الأمم والدول يكون الماضي هو ملاذ شعوب تلك الدول وهاتيك الأمم، مرة يلتمسون فيه شعاعا هاديا لطريق جديدة لمستقبل زاهر ينشدونه، وأخرى هروبا وبكاءً على الأطلال، وثالثة مباهاة وفخرا يواجهون به ما يتعرضون له من " معايرة " ورابعة يبعثون به في نفوس أجيال جديدة الحماسة ليعيدوا تلك الأمجاد الغابرة.
إنها سنة الحياة التي تقتضي أن يؤخذ بأسبابها، فإذا بك في ركب الحضارة بين تلك الأمم الحية تحيا، أو تتخلى عن تلك الأسباب فإذا بك مرتد إلى ماضيك لتصنع حلة ترتديها علها تقيك ما ألم بك في حاضر فرطت أنت فيه.
إن لنا - نحن المصريين على وجه الخصوص - ماض عريق يسعفنا من كافة الحقب، فنتباهى - ومعنا كل الحق - بحضارتنا المصرية القديمة في مراحلها المختلفة، كما نفخر بإسهاماتنا في الحضارة الإسلامية والعربية، تلك التي جعلت القاهرة هي عاصمتها التي لا تقارن في حقبة زمنية طويلة، وجاء العصر الحديث ليشيد محمد علي دولة كادت تصبح إمبراطورية تصدت لها القوى الكبرى لتحصرها في حدود غير مسموح لها بتجاوزها، وهنا أتذكر مقولة - أو بالأحرى تشبيه - لأديبنا العالمي نجيب محفوظ حينما قال أنه يجب أن تكون علاقة مصر بالقوى العظمى كعلاقة الأرض بالشمس فلا تبعد عنها فيصيبها التجمد ولا تقترب منها فتحترق.
اصطلح على أن يطلق على الماضي: القريب منه والبعيد " الزمن الجميل!" في إشارة واضحة لما يشعر به الإنسان المصري الآن من معاناة على مستويات عدة، ابتداء من صعوبة الحياة اليومية مرورا بالمشكلات - التي أصبحت مزمنة - من تلوث وضوضاء وزبالة - انتهاء بالسلوك والذوق العام، ومصطلح " الزمن الجميل " الذي يطلق على الماضي، اختزله ليكون كله رائعا على كافة المستويات: الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية والثقافية والجمالية، ضاربا بعرض الحائط تلك المعاناة التي كانت تعتصر ابناء هذا الزمن " الجميل!".
اقرأ أيضاً
العرض المصري ”لقطة من عمري” يشارك بمهرجان قرطاج الدولي للمونودرامااستقرار سعر الدولار الأمريكى بالبنوك المصرية
بسام راضي: تنظيم مونديال اليد تجسيدًا لنجاح الدولة في مواجهة كورونا
حواس: اكتشافات أثرية مهمة بسقارة ستعيد كتابة تاريخ المنطقة في عصر الدولة الحديثةتعرف على سعر الدولار الأمريكى بالبنوك المصرية
السفير المصري في بودابست يلتقي وزيرة الدولة المُشرفة على برنامج المنح ومديرة الأكاديمية الدبلوماسية المجرية
موعد صرف مرتبات العاملين بالدولةعن أشهر يناير وفبراير ومارس 2021
مركز القاهرة الدولي يعقد اجتماعاً مع ممثلي المنظمات التابعة للأمم المتحدة بالقاهرة
نائب رئيس وزراء صربيا يثمن دور مصر المحوري في تحقيق الاستقرار الإقليمي وصيانة السلم والأمن الدوليين
الدولة المصرية تواصل حماية العمالة غير المنتظمة في ظل أزمة فيروس كورونا
مدبولي يتابع مع وزيرة التعاون الدولي موقف المشروعات الممولة من شركاء التنمية
تعرف على سعر الدولار خلال التعاملات المسائية
ولقد انتشرت بعض " الفيديوهات " على مواقع التواصل الاجتماعي تبرز مظاهر الجمال والتقدم والرقي لبلدنا العزيز مصر، كما تعكس مستوى اقتصاديا كبيرا للدولة المصرية في فترة ما قبل ثورة يوليو، وانبهر بمثل هذه " الفيديوهات " شعبنا المصري، هذا الانبهار الذي دفع هذا الشعب لصب جام غضبه على الحاضر، وعلى - بطريقة خبيثة - من أوصلنا لهذه الحال، وعلق بعض الإعلاميين على مثل هذه " الفيديوهات " فوجدنا من " جَعَّرَ بحنجرته " متسائلا أين ذهب هذا الذوق وكيف غادر هذا الجمال! البلاد ؟ والذي لو سلمنا به لأجبناه أنه لم يكن في ذلك العصر من هم على شاكلتك بهذا الذوق المتدني والذي تبثه أنت وأمثالك في أبناء شعبنا.
والحقيقة التي لا مراء فيها أن مصر كان لديها مشروع نهضة في كافة المجالات، ولكن لم تكن بتلك الصورة التي يعكسها ما يتم عرضه في بعض الأفلام القصيرة التي تُبَثُّ على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنسان ذلك "الزمن الجميل " وعلى وجه التحديد الذي عاش في الريف المصري - والذي يتفق معه كل طبقته في كل بقعة من ريف أو حضر - قد عانى الأغلبية منهم شظف العيش، فعاشوا في بيوت بنيت من طين، واستذكر دروسه، من أسعد الحظ فيهم ونال قسطا من التعليم، على ضوء " لمبة جاز "، ونهشت كبده البلهارسيا وعديد الأمراض التي فتكت بالبعض بسبب عدم وجود مستشفيات ولا أطباء، ولم يتمكن قطاع كبير من التعلم لعدم وجود مدارس في أماكن ليست نائية.
نعم في الماضي شيء من جمال، وهو ما سيذكره بعض من الأجيال القادمة عن هذا العصر الذي نعيشه الآن حينما يصبح ماضيا، ويصبغون عليه من الجمال من خيالهم، ويضيفون له من القيم التي نشكو افتقادنا لها اليوم من زعمهم، ويهيلون هالات من التقديس على شيوخ هم اليوم مثار جدل وأخذ ورد، مثلما يفعلون اليوم مع الشعراوي الذي أصبح فوق النقد، وكان وهو يحيى بيننا يتلقى النقد تلو النقد، ولم نكن نرى في ذلك إنقاصا منه، حيث كنا نتعامل معه كما يتعامل مجتمع اليوم مع أي شيخ له مكانته، إنها الهالات التي يهيلها إنسان الحاضر على من سبقوه.
أستطيع أن أزعم وأنا مرتاح البال أن أبناء المستقبل سيبثون فيه أفلاما من تلك المدن الحديثة والمنتجعات الرائعة في مصر الآن والتي لا تمثل حياة السواد الأعظم من المصريين، ليعرضوا ذلك الجمال وهذه الروعة وذاك الهدوء وهذا النظام الذي تأتيه العديد من جنسيات العالم حاجَّة لتستمتع به، ويبكون على تلك الأيام، التي هي في كل الأحوال أفضل عشرات المرات من ماضي السواد الأعظم من أبناء الشعب المصري في الأزمان الغابرة.
نعم هناك في الماضي ما يدعونا لأن نعمل على إحيائه، وهو تلك القيم الجميلة التي من بينها أن نضع الأمور في نصابها.


















