الوعد بالبيع والشراء
قد يتم عقد البيع بتراضي الطرفين مباشرة، وقد يسبق العقد فترة يتم التمهيد له فيها، فيكون للعقد في هذه الحالة صورة الوعد بالبيع أو الشراء، وقد يصبح عقداً موصوفاً، أو يكون وعداً متقابلاً بالبيع والشراء، وهناك صورة خاصة وهي الوعد بالتفضيل.
الوعد بالبيع.
الوعد بالبيع عقد يلتزم به شخص بأن يبيع شيئاً معيناً بثمن معين للموعود له، إذا أبدى الأخير رغبته في الشراء خلال مدة معينة، لذا يختلف الوعد بالبيع عن الإيجاب بالبيع، لأنه يجوز الرجوع عن الإيجاب إذا لم يقترن به قبول، أو كان غير محدد المدة، بينما الوعد بالبيع عقد ينشأ من إيجاب الواعد بالبيع وقبول الموعود له، لذلك لا يمكن الرجوع عن الوعد من قبل الواعد، كما أنه يختلف عن البيع لأن عقد البيع ملزم لجانبيه، أما الوعد بالبيع فهو عقد ملزم لجانب واحد فقط هو الواعد، ويعتبر بعض الفقهاء الوعد بالبيع بيعاً معلقاً على شرط واقف هو استعمال الموعود له حقه في الشراء، غير أن هذا الرأي منتقد لأنه في البيع المعلق على شرط واقف تتجه إرادة الطرفين منذ إبرام العقد إلى البيع والشراء مع تعليق الإلتزامات التي تنشأ عنه إلى حين تحقق الشرط الواقف، بينما في الوعد بالبيع لا تتجه إرادة الواعد والموعود له إلى شيء من ذلك، ويرى آخرون بطلان الوعد بالبيع لإقترانه بشرط إرادي محض هو إرادة الموعود له، هذا الرأي تعرض للنقد أيضاً بدعوى أن من المعروف أن الشرط الإرادي المحض الذي يبطل العقد هو ذلك الشرط الذي يعلق تحققه أو تخلفه وبالتالي وجود الإلتزام أو عدمه على مجرد إرادة المدين، بينما يلاحظ في الوعد بالبيع الملزم لجانب واحد أن إتمام العقد يتوقف على إرادة الدائن، أما جمهور الفقهاء فيتفقون أن الوعد بالبيع عقد صحيح له أحكامه التي تميزه عن عقد البيع.
أركان الوعد بالبيع.
أركان الوعد بالبيع هي الرضا، المبيع، الثمن، المدة، الشكلية.
لابد لإنعقاد الوعد بالبيع من وجود الرضا، بمعنى أن يكون الواعد أهلاً للتصرف، أي البيع النهائي وقت الوعد بالبيع، ذلك أن الأهلية تقدر بالنسبة للواعد وقت الوعد لأنه يلتزم بوعده من هذا الوقت، أما الموعود له فلا يلزم بشيء وقت الوعد بالبيع، إنما يجب أن تتوافر فيه أهلية التصرف وقت إظهار رغبته في الشراء، لأنه سيلتزم بالبيع النهائي في هذا الوقت وليس وقت الوعد، بينما عيوب الإرادة فتقدر بالنسبة له وقت الوعد، ووقت التعاقد النهائي معاً، لأن الرضا يصدر في هذين الوقتين، ويجب أن يكون رضاؤه في الإثنين صحيحاً.
يلزم أيضاً لانعقاد الوعد بالبيع أن يكون الثمن محدداً في العقد باتفاق الطرفين أو على الأقل أن يكون هذا العقد متضمناً الأسس التي تجعله قابلاً للتحديد، أما إذا لم يكن الثمن محدداً في العقد أو قابلاً للتحديد فلا ينعقد الوعد بالبيع لتخلف ركن الثمن فيه، كما أنه يجب لانعقاد الوعد بالبيع تعين المبيع تعينا نافياً للجهالة الفاحشة، وأن يكون المبيع مما يجوز التعامل فيه قانوناً وإلا فلا يصح الوعد كما هو الحال في حالة الوعد بالبيع على التعامل بالتركة المستقبلة أوعلى مادة منع القانون التعامل فيها كالأفيون والحشيش وغيرها.
أما من حيث المدة فالوعد بالبيع عقد يلتزم فيه الواعد بأن يبيع شيئاً معيناً بثمن معين للموعود له، إذا ما أظهر الأخير رغبته في الشراء خلال مدة معينة، وبالتالي فتحديد المدة أمر ضروري للموعود له ففي اثنائها له استعمال حقه في الشراء، وضروري للواعد كي لا يبقى تحت رحمة الموعود له مدة غير محددة، ويكون تحديد المدة صريحاً كأن تكون المدة محددة، أو قابلة للتحديد، ويكون ضمنياً أي دلالة كما لو تبين أن العقد الموعود به لا يجدي تنفيذه، بعد فوات وقت معين، هنا يكون هذا الوقت هو المدة التي يجب خلالها إبرام هذا العقد، وكذا لو ورد الوعد بالبيع في عقد إيجار فتكون مدة الوعد هي نفس مدة الإيجار، وإن كان البعض يشترط تحديد المدة صراحةً، رافضين الرأي القائل بجواز الوعد بالبيع ولو لم تحدد مدته صراحةً في العقد، غير أنه إذا لم تحدد مدة الوعد بالبيع لا صراحةً ولا ضمناً فإن العقد يصبح باطلاً.
وفيما يتعلق بالشكلية يقضي القانون بوجوب إتباع الشكلية في الوعد بعقد ما إذا كان العقد المراد إبرامه خاضعاً للشكلية بالذات سواء كانت الشكلية المقررة هي للإنعقاد أم للإثبات. أحكام الوعد بالبيع.
الوعد بالبيع عقد يمر في مرحلتين: هما مرحله الوعد بالبيع، ومرحله البيع التام، وتبدأ أحكام مرحله الوعد بالبيع وقت انعقاد الوعد بالبيع وتنتهي بانتهاء الأجل المحدد لإظهار الموعود له رغبته الشراء، والعقد في هذه المرحله يكون عقداً ملزماً لجانب واحد هو الواعد، يلتزم بموجبه بإبرام البيع النهائي، إذا طلب الموعود له ذلك خلال المده المتفق عليها لذلك.
ويترتب على ذلك النتائج التالية.
أولاً_ أن الواعد يبقى مالكاً للشيء الموعود ببيعه، وبالتالي يكون له حق التصرف فيه بكافة أنواع التصرفات كالبيع والهبة والوصية وغير ذلك، وتكون هذه التصرفات نافذة في مواجهة الموعود له، إلا أن للأخير المطالبة بالتعويض طبقا لقواعد المسؤولية التعاقدية.
وللموعود له إضافة إلى ذلك أقامة دعوى عدم نفاذ التصرفات فيما إذا توفرت شروطها، هذا ولما كان إثبات هذه الشروط أمراً صعباً في الغالب لذلك كثيراً ما يلجأ الموعود له إلى الإتفاق مع الواعد على أن يرتب له رهناً على الشئ الموعود ببيعه، فيضمن بذلك الافضلية لحماية حقه من أيما تصرف قد يصدر عن الواعد خلال المدة المعينة للوعد.
ثانيا_لما كان الموعود ببيعه يبقى في ملك الواعد فهلاكه كلياً يكون على الواعد ويؤدي إلى إنقضاء إلتزام الواعد، أما إذا كان الهلاك جزئياً فيرى البعض بأن الموعود له يكون في هذه الحاله مخيراً بين رفض الوعد، أو قبول الباقي من الموعود ببيعه بكل الثمن المتفق عليه، لانه الثمن مسمى في عقد الوعد ولا يجوز إرغام الواعد على إنقاصه، والرأي الراجح هو القائل بأن للمشتري إتمام البيع مع إنقاص الثمن في هذه الحالة.
أما إذا حصلت زياده في قيمة الشئ لا في مقداره ووافق المشتري على الشراء فإن البيع يتم بالثمن المسمى في الوعد، بينما إذا حصلت زيادة في مقدار الشئ الموعود ببيعه وأظهر الموعود له رغبته في الشراء فالزيادة تكون في هذه الحالة من حق الواعد ولا يجبر على التنازل عنها إلا في مقابل زياده الثمن، كما أن ثمار الشئ وحاصلاته خلال مرحله الوعد تكون ملكاً للواعد ولا يحق للموعود له إذا ما أبدى رغبته في الشراء المطالبة بها.
ثالثا_للموعود له أن يحول حقه الشخصي إلى الغير طبقاً لقواعد حوالة الحق لأن حق الموعود له هنا حق مالي ليست لشخصيته في الغالب أي إعتبار في تعهد الواعد، إلا إذا وجد اتفاق يمنعه من ذلك أو إذا روعي فيه شخص الموعود له وأن نيه الطرفين المتعاقدين منصرفة إلى عدم جواز إسقاطه.
رابعا_لما كان الموعود له دائناً بحق شخصي، فله بهذا الاعتبار وطبقاً للقواعد العامة في الإلتزامات إجبار الواعد، بإعتباره مديناً على تنفيذ إلتزامه تنفيذاً عينياً.
أحكام مرحلة البيع التام:
إذا إنتهت المدة المحددة لتعهد الواعد دون أن يظهر الموعود له رغبته في الشراء، تحلل الواعد من إلتزامه قبله دون حاجة لإعذاره، كذلك الحكم إذا ما أعلن الموعود له رغبته في الشراء بعد إنقضاء المدة المذكورة أو إذا أعلن عدم رغبته في الشراء خلال هذه المدة، لأن الموعود له بهذا الرفض يكون قد أبرأ ذمة الواعد من وعده، أما إذا قبل الموعود له الشراء خلال المدة مدار البحث فإن الوعد بالبيع يتحول في هذه الحالة إلى عقد بيع تام منتج لآثاره القانونية، وتظهر الرغبة صراحةً بالقول أو الكتابة، وضمناً كتصرف الموعود له بالموعود ببيعه أو دفعه قسط من أقساط الثمن، وليس لإعلان الرغبة أثر رجعي، فالبيع لا ينعقد إلا من وقت قبول الموعود له بالشراء.


















