×
19 رمضان 1445
28 مارس 2024
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي
مقالات

الدكتور أشرف يعقوب يكتب: مذكرات مهاجر مجهول الجزء الثاني (6)

المصريين بالخارج


عدت لإيطاليا و أرسلت الشهادات الموثقة في القنصلية الإيطالية بالقاهرة الى وزارة الصحة الإيطالية في روما. و بعد اسابيع قليلة وصلتني رسالة من وزارة الصحة الايطالية بها شهادة رسمية بالاعتراف بتخصصي في القلب لأني قضيت خمس سنوات في قسم القلب و العناية المركزة في المستشفى الإيطالي بالقاهرة، و تدربت على ايدي أطباء قلب ايطاليين، بالاضافة لحصولي على ماجيستير امراض القلب من جامعة عين شمس.
فرحت جدًا بوصول هذه الشهادة و التي كانت تسمح لي بالتقدم لمسابقات التعيين في المستشفيات الإيطالية في تخصص القلب و الأمراض الباطنية. و بدأت في الإطلاع على مجلة "البور" و هي المجلة الرسمية التي تنشر فيها كل اعلانات التعيين في كل المجالات في كل محافظة إيطالية على حدة، فكل محافظة لها مجلة او نشرة "بور". و البور التي كنت اطالعها باستمرار كانت بور محافظة الفينيتو التي اعيش فيها.
و في يوم شاهدت فيها اعلان على مسابقة تعيين في مستشفى مدينة "بيللونو" التي تبعد حوالي خمسة و اربعين دقيقة بالسيارة من منزلي. و حَضّرت و قدمت كل الاوراق المطلوبة و اهمها كانت هي تلك الشهادة التي وصلتني من وزارة الصحة الإيطالية.
و اخبرت الزملاء معي في مستشفى كاستل فرانكو و الآخرين في مدرسة تخصص الأمراض الباطنة و كذلك البروفيسور بانيان.
و في اليوم الذي سبق امتحان المسابقة استدعاني البروفيسور بانيان الى مكتبه و قال لي " أشرف، لا يسعدني أبداً ان تتركني و خاصة اننا نعمل في العديد من الابحاث انت من اهم الناس فيها، و لكن انا اتفهم وضعك، انت قلق لأن لك عائلة و تريد ان تجد عملًا ثابتًا تحصل فيه على مرتب معقول و منتظم، و لذلك اتمنى لك النجاح في المسابقة و التعيين في بيللونو"، فشكرته جدًا. و بينما كنت في طريقي للخروج من مكتبه سألني "أشرف ، هل تريد ان اعمل مكالمة لك". كان يقصد مكالمة، للتوصية عليّ، للمسئول عن هذه المسابقة. و كان للبروفيسور وزن مهم و ثقل كبير في كل محافظة الفينيتو و واسطته كبيرة جداً.
و لكني كنت ايامها مثاليًا و ركبتني عزة النفس فرديت عليه "لا، أشكرك بروفيسور ، لا داعي". و تركته و انا ارى في عينيه نظرة متحيرة.
و في صباح اليوم التالي ذهبت مبكرًا لبيللونو و اجتمعنا ستة مرشحين على ما اذكر في قاعة المحاضرات في مستشفى بيللونو. و دخل علينا، بعد حوالي نصف ساعة من وصول الجميع، رجل في حوالي الستين من عمره، يلبس بالطو ابيض و عرف نفسه انه الدكتور فلان الفلاني رئيس قسم القلب. و رحب بنا في كلمات مقتضبة ثم قال "سنبدأ بالامتحان التحريري، ارجوا الكتابة بخط واضح ، و اللي لغته الايطالية "ملخفنة" لن تقبل اجابته".
تعجبت من كلمته هذه، فمن سيكون صاحب اللغة الإيطالية "الملخفنة" الا انا، فباقي المرشحين كانوا كلهم من الايطاليين و الاجنبي الوحيد كنت انا. فهمت ان الكلام موجه لي و استشعرت النية المبيتة على تهميشي و ندمت على حضوري.
قال رئيس القسم "ان من سيجد اسمه في القائمة التي سنضعها على هذا الحائط بعد الامتحان التحريري سوف يمر الى الامتحان الشفوي، اما من لن يجد اسمه فيمكنه الذهاب لبيته لأنه لم يقبل".
بدأ الامتحان و اجبت اجابات سليمة و لم أكن اضمن فيها سلامة و دقة اللغة الإيطالية بالطبع ، و لكني اجزم ان اجاباتي كانت اكثر من وافية، و بلغة ايطالية واضحة. انتهي الامتحان و ذهبنا للغداء، و بعد الغداء عدنا لنرى القائمة على الحائط. كانت بها كل اسماء المرشحين إلا انا. نظرت للقائمة مرة اخرى بتدقيق و لكن اسمي لم يكن موجودًا.
فهمت و حزنت و رجعت بيتي في حالة غم كامل.
و في الصباح التالي ذهبت لمستشفى كاستل فرانكو فسألني البروفيسور عن الامتحان فحكيت له فقال"الم اقل لك ان أعمل لك المكالمة و انت رفضت، الم تفهم ان كونك اجنبياً في إيطاليا هو مثل كونك من صاحبي الإعاقات" و ربت على كتفي قائلًا "انهم لا يعرفون ماذا فقدوا!".
و مرت اسابيع بعد ذلك و عرفت من أحد الزملاء أن تلك المسابقة كانت معمولة مخصوص لتعيين دكتور زميلنا، اعرفه و يعرفني جدًا، و ذلك لأنه ابن احد كبار السياسيين في المحافظة. و لكني قلت له "لكن هذا الشخص لم يحضر معنا في يوم الامتحان"، رد الزميل "لم يحضر لأنه لم يكن يريد أن يعيش في بيللونو بالقرب من والديه". و زاد الزميل "سأقول لك ما عرفته و لكن يجب أن تعدني أن لا تقول لأحد". قلت "قل و اعدك الا أقول لأحد مهما كان مضمون كلامك". قال" لقد اوصى هذا الزميل بعدم نجاحك في المسابقة لأنه يكرهك كما يكره كل الأجانب".
لم اتحقق بالطبع من صحة هذه الواقعة ، و لكن معرفة ذلك اثر عليّ بصورة سلبية و مؤلمة. شعرت بأنني هنا لن احقق شيئاً مذكوراً. اني اضيع وقتي هباء في هذا البلد. رجعت لي حالة الاكتئاب مرة اخرى و اصبحت اعاني من القلق و الأرق. و انعكس ذلك على علاقتي مع زوجتي.
و اصبحت اذهب لعملي في مستشفى كاستل فرانكو و انا متثاقل القدمين و اصبحت محاضراتي و ابحاثي في بادوفا فجأةً عبئًا كبيرا عليّ بعد أن كنت اعشقهم.
نفرت نفسي من روتين حياتي و اسودت الدنيا في وجهي و غمرني احساس انني مزنوق في مصيدة كالفأر، فلا انا قادر على الرجوع لمصر و لا انا متحمل الحياة في ايطاليا.
و في وسط هذا الهم حضرت لمتابعة عياداتنا في كاستل فرانكو طبيبة من بادوفا تعمل في مستشفى مونتيلللونا القريبة من كاستل فرانكو، و لنسميها مانويلا.
كانت سمراء، من جنوب ايطاليا، ظننت انها عربية في البداية، لم يكن جمالها من النوع الذي يبهرك من اول نظرة ولكن جمال روحها كان يأسرك من أول بسمة.
بعد الحديث معها لعدة دقائق احسست انني مع صديقة اعرفها من زمن طويل. كانت بسّامة و مرحة و دمها خفيفة و كأنها فتاة مصرية دلوعة. ارتحت لها جداً و بدأت انتظرها بشوق في زيارتها الاسبوعية لعيادتنا لتتعلم استخدام الموجات الصوتية و الدوبلر. كنت ادرس لها و أتأملها ، و مع الوقت احسست انها ادخلت بعضاً من السعادة في حياتي، و قليلاً من الامل اصبح يراودني. كنت كالغريق الذي يتعلق بقشة، و كانت هي قشتي في تلك الأيام.
و بعد عدة لقاءات في مستشفى كاستل فرانكو قلت لمانويلا انني اذهب لبادوفا تقريبًا كل يوم، و اذا كان يسعدها الغداء معي مرة فلنتقابل في بادوفا امام كلية العلوم، فوافقت.
ذهبت ذلك اليوم لمقابلتها في الميعاد فوجدتها تنتظرني و تناولنا غداءنا معا في مطعم انيق قريب من الجامعة. و مشينًا قليلًا معا و انا في طريقي لكلية العلوم حيث كانت تنتظرني الأرانب المسكينة.
و اصبحت عادة، و في يوم قالت لي "هذه المرة اعزمك عندي في البيت"، و ذهبنا لبيتها.
و على الاقل كنت اتغدى عندها مرة في الاسبوع. و سرعان ما مرت شهور قليلة و نحن نتقابل بانتظام ، و ساءت علاقتي بزوجتي اكثر و اكثر.
كانت مانويلا تكلمني دائما عن رغبتها الشديدة في العمل في بادوفا بدلًا من رحلتها اليومية الى مونتيبللونا و التي تستغرق ساعة في الرواح و ساعة في المجئ.
و ذات مرة قالت انها استطاعت ان تنقل نفسها مؤقتا لمدة ستة اشهر لمستشفى في بادوفا. و مرت الثلاثة شهور الاولى بسرعة و لقاءاتنا فيها كادت ان تكون يومية. و في يوم اخبرتني ان مستشفى كاستل فرانكو قد اعلن عن مسابقة تعيين في القسم الذي اعمل فيه كطالب، و قالت لي لماذا لا تقدم اوراقك لهذا العمل. قلت لها لا اعلم شئياً عن تلك المسابقة.
قالت اسألهم عنها و قدم اوراقك فمن الخزي ان تكون في قسمك مسابقة تعيين لعمل دائم و لا يخبرك الزملاء بذلك، عيب عليهم.
اصابتني الحسرة بسبب اخفاء وجود مسابقة التعيين هذه عني و انا الذي كنت أبذل قصارى جهدي في العمل و الابحاث و الدراسة و ادور، بدون مقابل، بين تريفيزو و كاستل فرانكو و بادوفا، بسيارتي، كالنحلة طوال اليوم، و اعمل ورديات ليلية في مستشفى كاستل فرانكو و تقريباً في كل نهاية اسبوع.
كانت صدمتي في زملائي قوية و خاب املي فيهم.
و في صباح اليوم التالي ذهبت مباشرة الى مكتب زميلتي التي ذهبت معي لبوسطن و سألتها و انا احاول جاهداً او اكتم غضبي "لماذا لم تخبروني ان هنالك مسابقة تعيين هنا في هذا القسم و انتم تعرفون انني اصلح للتقدم لها، و تعرفون ظروفي و سني و حاجتي لعمل ثابت؟". ردت "هل عرفت؟ من اخبرك؟". قلت لها "لا احد من هنا". قالت لي "الحقيقة اننا و البروفيسور قد نسينا انك حاصل على تخصص القلب و ان هذا يسمح لك بالتقدم لهذه المسابقة و كنا مطمئنين انك الآن تنهي تخصصك الثاني في امراض الباطنة و بعدها يحلها الف حلال". قلت لها "نعم و لكني اريد ان اجد العمل الآن و في نفس الوقت انهي تخصص امراض الباطنة ". قالت "كلام معقول ، قدم اوراقك، بس لعلمك هذه المسابقة معمولة مخصوص لتعيين فلان الفلاني، و فلان العلاني، يعني المكانين المتاحين سوف يذهبان لهما، و حتى لو نجحت في المسابقة فلن يكون لك مكان في التعيين في كل حال".
كان من هذين الطبيبين نفس الشخص الذي اوصى باسقاطي في مسابقة التعيين في مستشفى بيللونو. كان والده قد نجح في عمل مسابقة تعيين اخرى لإبنه في المكان الذي يريده ابنه، في كاستل فرانكو.
و عاندت الكل و قدمت اوراقي و قلت في نفسي "سنرى فقد يفعل الله شيئًا كان مأمولا".
و في يوم امتحان المسابقة كنت اول الحاضرين ، ثم حضر خمسة اطباء، منهم الطبيبان اللذان عُمِلت المسابقة لتعينهما، و ثلاثة آخرين من جنوب ايطاليا، لم يكونوا يعرفون أنهم ليس لهم أي امل في التعيين او حتى النجاح في المسابقة.
اديت الامتحان التحريري كما يجب ، و هذه المرة وجدت اسمي مكتوب في قائمة المقبولين للامتحان الشفوي، بينما استبعدوا الجنوبيين. و دخلنا بعد الغداء نحن الثلاثة الباقين للامتحان واحدًا بعد الآخر، و بعد عدد من الأسئلة التي اجبتها جيداً لأنها كانت تدور في مجال عملي اليومي، دعوني للخروج .
و في ظهيرة اليوم التالي اخبرتني زميلتي التي كانت معي في بوسطن ان النتيجة كانت حصولي على المركز الثالث ، بعد المرشحين الاساسيين ، و انه بذلك وُضِعت قائمة تعيين بأسمائنا صالحة لمدة عامين. يعني اذا خلى مكان آخر في خلال هذين العامين فسوف يكون لي. و قالت اصبر فقد يخلو مكان لك. و لكني كنت اعرف جيداً صعوبة، او بالأحرى، استحالة ان يخلو مكان لي في خلال عامين فقط.
كنت ادرك جيدًا انهم نَجّحوني لكوني اعمل معهم في الابحاث و المستشفى و خافوا إن أسقطوني ان اترك لهم الجمل بما حمل و أعود لمصر.
عدت بعد ذلك الى روتيني اليومي من لف على مستشفى كاستل فرانكو ثم الغداء مع مانويلا في بيتها ثم المحاضرات في مستشفى بادوفا و الابحاث في كلية العلوم.
و لكن بعد ثلاثة شهور حدث ما لم يكن في الحسبان، و هذا ما سأحكي لكم عنه في المرة القادمة إن شاء الله.

مذكرات مهاجر مجهول الجزء الثاني (6) أشرف يعقوب

استطلاع الرأي

أسعار العملات

العملةشراءبيع
دولار أمريكى​ 29.526429.6194
يورو​ 31.782231.8942
جنيه إسترلينى​ 35.833235.9610
فرنك سويسرى​ 31.633231.7363
100 ين يابانى​ 22.603122.6760
ريال سعودى​ 7.85977.8865
دينار كويتى​ 96.532596.9318
درهم اماراتى​ 8.03858.0645
اليوان الصينى​ 4.37344.3887

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 2,069 شراء 2,114
عيار 22 بيع 1,896 شراء 1,938
عيار 21 بيع 1,810 شراء 1,850
عيار 18 بيع 1,551 شراء 1,586
الاونصة بيع 64,333 شراء 65,754
الجنيه الذهب بيع 14,480 شراء 14,800
الكيلو بيع 2,068,571 شراء 2,114,286
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الخميس 08:11 مـ
19 رمضان 1445 هـ 28 مارس 2024 م
مصر
الفجر 04:21
الشروق 05:49
الظهر 12:00
العصر 15:30
المغرب 18:11
العشاء 19:29