التميمي الحبال يكتب : ارض بما قسم الله... تكن أغنى الناس
كتب : التميمي الحبال
الْمُؤْمِن رَاض بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ الرِّزْقِ ، وَمَا قَدَرَ لَهُ مِنْ الْمَوَاهِب وَمَا قَسَّمَهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ الْحَظِّ ؛ لأَنَّهُ مُؤَمَّنٌ بِأَنَّ اللَّهَ عَادِلٌ فِى عَطَايَاه وَمُؤْمِن بِحُكْمِة اللَّهُ فِيمَا قَدَّرَ مِنَ مَوَاهِبُ ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْقَنَاعَةِ وَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ الَّذِي حَثَّ عَلَيْهِ الدَّيْنُ (هى الْقَنَاعَةِ لَا تَرْضَى بِهَا بديلا).
لَقَد ظَلَمْت طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ فَهُم الْقَنَاعَة فحسبوها(الرضا بِالدُّون، وَالْحَيَاة الْهُون، وَضَعَّف الْهِمَّة عَنْ طَلَبِ معالى الْأُمُور ، وَإِمَاتَة رَغْبَة الطُّمُوحِ إِلَى الرَّقِّيّ المادي وَالْمَعْنَوِيّ، بَل مجدوا الْجُوع و الْفَقْر والحرمان).
وَهَذَا خَطَأٌ وَاضِحٌ بَيْنَ وَضَلَالٌ بعيد عن الْحَقّ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْقَنَاعَةَ لَا تَعَنَّى شيئاً مِن أَوْهَام الْكَثِيرِين .
الْقَنَاعَة تَعَنَّى أَمْرَيْن :
الأمر الأول : أن الْإِنْسَان شَدِيدٌ الطَّمَع ، والحرص عَلَى الدُّنْيَا وَلَا يَشْبَعُ جُوعًا وَلَا يُرْوَى عَطَشًا ؛ (لو كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ لَتَمَنَّى ثالثاً وَلَا يَمْلَأُ عَيْن وَجَوْف ابْنَ آدَمَ إلَّا التراب) .
وَالدِّين يُهْدَى إلَى الِاعْتِدَالِ فِى السعى لِلْغِنَى وَالْإِجْمَالُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ حَتَّى يَضْمَنَ التَّوازُن فِي نَفْسِهِ وَحَيَاتِه .
ويمنحه السَّكِينَة الَّتِي هِىَ سِرّ السَّعَادَة ، وَيُجَنِّبُه الْإِفْرَاط وَالْغُلُوّ الَّذِي يُرْهَق النَّفْس وَالْبَدَن .
تَصْدِيق هَذَا مَا ذَكَرَهُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"أن جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَفَث فِى روعى أَن نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجْلِهَا وتستوعب رِزْقُهَا ؛ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِى الطَّلَب ؛ وَلَا يَحْمِلْن أَحَدُكُم اِسْتِبْطَاء الرِّزْقُ إنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَإِنْ مَا عِنْدَ اللَّهِ لَا يَنَالُ إلاّ بطاعته ".
وَالْأَمْرُ الثَّانِي : أَنْ يَرْضَى الْإِنْسَانِ بِمَا وَهِبَةُ اللَّهِ لَهُ مِمَّا لَا يَسْتَطِيعُ تَغْيِيرُه فَلَا يَعِيش متمنياً مَالًا يَتَيَسَّرْ لَهُ وَلَا متطلعا إلَى مَا وَهَبَهُ اللَّهِ لِغَيْرِه، كتمنى الشَّيْخُ إلَى الشَّبَاب وَنَظَرة الْقَصِير إلَى الطَّوِيل وَالْمَرْأَة الذَّمِيمَة إلَى الْحَسْنَاء.
قَالَ تَعَالَى (ولا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَلَ اللَّهِ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتسبن وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فضله)
إذَا آخَى الْكَرِيم وَجَبَ عَلَيْنَا الرِّضَا بِمَا قَسَمَ اللَّهُ حَتَّى نَعيش سُعَدَاء .
وَهُنَاك الْكَثِير وَالْكَثِيرُ مِنْ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي هِى قُدْوَةً لَنَا الْأَنْبِيَاء كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَمِلُوا برعى الْغَنَم ؛ سَيِّدِنَا زَكَرِيَّا كَانَ نَجَّارًا وَإِدْرِيس كَان خَيَّاطًا وَدَاوُد حَدَّادًا ؛ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ قَدْرهم وَلَا مكانتهم .
وَكَثِيرٌ مِنْ العُظَماءِ بخسوا حُقُوقِهِم فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا:
عَطَاءِ بْنِ رَبَاحٍ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي عَهْدِهِ كَانَ مَوْلًى أَسْوَد أَفْطَس أَشَلّ مُفَلْفَل الشَّعْر .
الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ حَلِيمٌ الْعَرَب نَحِيفَ الْجِسْمِ أَحْدَب الظُّهْر أَحْنَى السَّاقَيْن .
قَدْرٌ وَقِيمَةٌ الْإِنْسَانِ فِيمَا يُحْسِن .
رَزَقْنَا اللَّه السَّعَادَةَ مِنْ الْقَنَاعَهْ وأرضانا بِمَا قَسَمَ لَنَا


















