خمسة سياحة ( اكتشف مصر ) متحف المركبات الملكية.
تقرير : سامح طلعت
هو أحد متحفين بالقاهرة خصصا لعرض مركبات أسرة محمد علي قبل استخدام السيارات الحديثة والثاني بقلعة صلاح الدين·
أراد الخديوي إسماعيل بعد أن تولى خلفا لعمه سعيد باشا في عام 1863 أن يجعل القاهرة مشابهة لباريس التي وقع في غرامها منذ أقام بها عام 1845 قادمًا من فيينا لدراسة العلوم العسكرية، ولذا شرع في إعادة تخطيط القاهرة وتعبيد طرقاتها وتوسيعها، واستعان بصديقه ملك فرنسا نابليون الثالث الذي اوفد اليه ''هاوسمان'' الذي خطط مدينة باريس وعدة مدن أوروبية أخرى·
وطلب هاوسمان تغيير مجرى النيل ليخترق وسط القاهرة مثل نهر السين في باريس ووضع حاجزا خرسانيا قرب مدخل كوبري عباس بالجيزة وآخر قرب فندق شبرد الحالي واتخذ النيل مجراه الشرقي الحالي تاركا مساحات من الارض منها تلك التي اقام بها هاوسمان حديقة الاورمان بالجيزة لتشبه غابة بولونيا الباريسية وأمامها حديقة الحيوان الشهيرة·
اما البقعة الشاسعة المعروفة باسم الازبكية والتي كانت تغمرها مياه فيضان النيل.
فقد تحولت إلى حديقة عامة كانت وقت إنشائها تماثل حديقة لوكسمبورج في باريس بنافوراتها وازهارها وأبوابها المعدنية الفخمة، وأمامها أنشأ الخديو اسماعيل دار الاوبرا يتقدمها تمثال والده ابراهيم باشا على صهوة جواد· وازيلت مقابر ميدان العتبة وشق شارع محمد علي ليشابه شارع الشانزليزيه اذ كان يصل بين مقر الحكم بالقلعة ووسط العاصمة·
ورافق ذلك إنشاء الشوارع الواسعة الجديدة مثل شوارع كلوت بك وعبدالعزيز وعابدين واصبح بالامكان الانتقال من اقصى القاهرة الى أقصاها في وقت قليل وجهد ضئيل·
وأعقب ذلك نقل مقر الحكم من قلعة الجبل الى قصر عابدين في قلب القاهرة الحديثة· وتشبها بما رآه في باريس حيث قصر فرساي شيد الخديوي قصرا جديدا له عرف باسم السراى او سراي الجزيرة في تلك الجزيرة التي تضخمت مساحتها بسبب انتقال مجرى النيل نحو الشرق وهي جزيرة الزمالك وتعني بالألبانية والتركية كشك الاستحمام· ومازال سراي الجزيرة قائما إلى اليوم ضمن مباني فندق ماريوت الشهير على ضفة النيل·
كل هذه التحولات التاريخية في عمران القاهرة استدعت الحاجة إلى استخدام المزيد من العربات للاثرياء والاجانب ولحركة الخديوي وأبناء أسرته للتنقل بين القصور والمتنزهات ولتفقد أحوال الرعية بالقاهرة والمشاركة في مناسباتها واحتفالاتها الدينية على وجه الخصوص، وكانت تلك من المناسبات التي يستغلها اسماعيل في استعراض ابهة ملكة وإظهار عطفه على الرعية·
وبعد أن كان عدد العربات ''الأوروبية'' التي تجرها الجياد لا يتخطى الثلاثين عربة عند وفاة محمد علي عام ،1849 بعضها من مقتنيات أسرة محمد علي باشا، اذا باسماعيل يتوسع في اقتناء أصناف مختلفة من هذه المركبات التي كانت تخصص بحسب أنواعها للاحتفالات والاستقبالات الرسمية، واستدعى ذلك ان يصدر الخديو أمرا بإنشاء مبنى خاص بالمركبات الخديوية وأطلق على إدارة هذا المبنى ''مصلحة الركائب الخديوية''·
ووقع الاختيار على بقعة في حي بولاق لا يفصل بينها وبين شاطىء النيل الشرقي سوى جامع السلطان ابي العلاء، وكان اختيارا منطقيا في ظل وجود السراي بجزيرة الزمالك امام بولاق، وكان الوصول إليها يتم عبر كوبري قصر النيل المشيد في عهد اسماعيل، وايضا مع وجود متنزهات شبرا التي شيدها محمد علي حول قصره على الشاطئ الشرقي للنيل الى الشمال من حي بولاق·
وقد تعزز اختيار موقع مصلحة الركائب الخديوية وهي اليوم متحف المركبات الملكية بإطلالة الموقع على شارع بولاق الجديد ''حاليا شارع 26 يوليو'' وهو أقدم الشوارع الفسيحة بالقاهرة اذ قامت الحملة الفرنسية على مصر بشقة في عام 1800 لتسهيل وصول القوات الفرنسية الى حي بولاق أكبر معاقل الثورة ضد حملة بونابرت·
وفيما بعد تغير اسم مصلحة الركائب الخديوية إلى إدارة الاسطبلات الملكية ابتداء من عهد الملك فؤاد ابن اسماعيل، وتنوعت مع هذا التغيير مصادر الحصول على المركبات فبعد الاعتماد كليا على العربات الفرنسية خلال عهد اسماعيل، أخذ المسؤولون عن هذه الادارة يحصلون على عربات بالمواصفات المطلوبة من الورش المصرية، وكانت تسحب بعد شرائها إلى ورش إدارة الاسطبلات فيتم تعديل الهيكل وتنجيد الفرش وتدهن بالطلاء اللازم ثم توضع عليها التيجان الملكية البارزة وتصبح بعد ذلك معدة للاستعمال·
وفي عهد السلطان فؤاد الأول أيضًا أعيد تنظيم الركائب لتزود بالخيول العربية وبطواقم فنية من المصريين بعد أن كان الأجانب هم الذين يتولون صيانة المركبات· وارتبطت مصلحة الركائب الخديوية بأهم الاحداث في عهد الخديو اسماعيل خاصة احتفالات افتتاح قناة السويس حيث حرص الخديو على أن يصطحب معه وزير خارجيته نوبار باشا لدعوة ملوك اوروبا لحضور الافتتاح وقد استخدمت دعوات خاصة طبعت على قطع من جلد الفيل بلغت تكلفتها آنذاك اكثر من عشرة آلاف جنيه·
وأهدى نابليون الثالث إلى الخديوي عربة خاصة بهذه المناسبة ويحتفظ متحف بولاق بهذه العربة التي حضر بها الخديوي افتتاح القناة وهي تعرف باسم ''عربة الا لاي الكبرى الخصوصي'' وقد جدد الملك فاروق هذه العربة واستعملها عند افتتاح البرلمان· وهي عربة مغلقة ذات سقف ثابت وجوانب بها نوافذ من الزجاج وكانت تجرها أربعة او ستة او ثمانية من الجياد يقودها طاقم من الرجال يعرف باسم ''الدومو'' ويوجد خلف العربة مقعد لوقوف الجروم وهما مساعدا السائق ويقومان بفتح باب العربة عند وقوفها وبسط السلم المطوي بالداخل لتيسير نزول الخديوي على درجاته المكسوة بالحرير·
وشهدت مصلحة الركائب أيضًا استخدام عربات نزهة بمناسبة افتتاح القناة حيث نظمت جولة لملوك وأمراء اوروبا بين آثار مصر ومعالمها امتدت حتى اسوان وان كانت قد بدأت بجولة الى إهرامات الجيزة حيث أمر الخديو برصف الطريق من القاهرة إلى الأهرام بالحجارة وإنشاء فندق ''مينا هاوس'' إكرامًا لزيارة الإمبراطورة أوجيني زوجة نابليون الثالث·
يحتفظ متحف بولاق للمركبات الملكية بعدد وافر من نماذج العربات التي عرفتها مصر أفخمها على الإطلاق عربة ''الا لاي الكبرى الخصوصي'' التي شهد فيها اسماعيل افتتاح قناة السويس عام 1869 واستخدمها فؤاد الاول وفاروق ابنه في افتتاح جلسات البرلمان واستخدمها الاخير في زفافه على الملكة ناريمان عام ·1951 وتزدان هذه العربة المطلية باللون الأسود بأربعة فوانيس من النحاس المذهب والبللور يضاء كل منها بشمعة واحدة تعكس قوة ضوء تعادل خمس لمبات قوة كل منها 60 شمعة ويعلو كل فانوس تاج من النحاس المطلي بالذهب والى جانبها عربات من طرز مختلفة استخدمها زوار مصر خلال افتتاح قناة السويس ومنها عربة خصوصي وهي عربة مكشوفة تشبه القارب وعربة كوبية كانت مخصصة لأفراد حاشية الخديو عند استقبال الأجانب·
وهناك عدة عربات من الطراز المعروف باسم لاندو وكانت تستخدم عند استقبال الزوار الاجانب لمصر وتتقدم المحمل المخصص لحمل كسوة الكعبة المشرفة وهي عربات ذات ''كبود'' أو غطاء جلدي يمكن طيه وفي إحدى هذه العربات غادر احمد عرابي مصر عند نفيه على أيام الخديو توفيق، وقد جلس فيها والى جواره قائد بريطاني لتوديع الشعب الذي اصطف على جوانب الطرقات لوداعه·
ويستطيع زائر المتحف أن يشاهد مختلف أنواع المركبات المعروضة وقد سجلت في بطاقات عرضها مسمياتها وتاريخ صنعها وأيضًا مصدرها فضلا عن المناسبات التي استخدمت فيها مما يجعل من متحف المركبات الملكية صفحات ناطقة بأحوال مصر خلال عهد أسرة محمد علي.
ويشمل متحف المركبات الملكية ببولاق 5 قاعات للعرض، أولها قاعة الهدية، والتى ستعرض العربات والمركبات المهداة إلى الأسرة العلوية خلال المناسبات المختلفة، ومن أهمها العربة التى أهدتها الإمبراطورة الفرنسية أوجينى إلى الخديوى إسماعيل بمناسبة افتتاح قناة السويس.
أما القاعة الثانية فهى قاعة العرض المكشوف التى ستعرض أندر أنواع المركبات، وهى عربة الآلاى والنصف آلاى وهى عربات يجرها الخيول ويتم تصنيعها بمواصفات معينة للملوك وكبار رجال الدولة، وكانت مشهورة فى ذلك الوقت.
أما القاعة الثالثة والتى تعتبر القاعة الرئيسية للمتحف فستضم مجموعة من العربات التى كان يستخدمها أفراد الأسرة العلوية خلال المناسبات الرسمية المختلفة، مثل حفلات الزفاف والمراسم الجنائزية والأعياد والمتنزهات وغيرها بالإضافة إلى لوحات زيتية عبارة عن بورتريهات لملوك وملكات وأميرات وأمراء الأسرة العلوية.
أما القاعة الرابعة فستضم الملابس الخاصة بسائقى الخيول، بينما تستعرض القاعة الخامسة مجموعة من الاكسسوارات الخاصة التى كانت تستخدم لتزيين الخيول، مثل الحدوة واللجام والسرج وغيرها.
يشار إلى أن متحف المركبات الملكية ببولاق أنشئ فى عهد الخديوى إسماعيل، وتمت إضافة بعض التعديلات إليه فى عهد الملك فؤاد، ويتضمن المتحف مجموعة من العربات الملكية من طرز مختلفة وقد استخدمت هذه العربات عند استقبال الملك والسفراء والنبلاء وأهم هذه العربات الآلاى الكبرى.


















