مصطفى كمال الأمير يكتب عن : أزمة الهوية المصرية
بقلم الكاتب : مصطفى كمال الأمير
من نحن الآن؟ نحن أحفاد بناة الأهرام، سؤال يبدو سهلًا بسيطًا، لكن تصعب الإجابة عليه بعيدًا عن النمطية والتقليدية التي هي بعيدة عن الواقع فنحن الآن نعاني انقسامًا حادًا وفتنة هوية، فهذا سلفي وهابي ، وذاك ليبرالي علماني متأمرك ، وبين فلول نظام حزب مبارك ، والقبطي أصل البلد وآخر فرعوني الثقافة، وذاك ناصري يساري قومي.
وجميعنا نتشارك الألم والمعاناة من إهمال وتفريط في الواجبات وقلة الكرامة وإدعاء للبطولة وانعدام للضمير ، وكل التشوهات الحادة التي أصابتنا جميعًا بما فيها كاتب هذا المقال وما أبرىء نفسي..
فالمصري وعلي مدار عقود في العصر الحديث خاض تجارب أنظمة حكم مختلفة ومتناقضة من ملكية إقطاعية قبل الثورة إلى حكم الجيش ثم اشتراكية قومية أيام ناصر إلى انفتاح رأسمالي أيام السادات ثم الي الخصخصة وتوحش القطاع الخاص أخيرًا إلى نظام إخواني تاجر بالإسلام ثم الآن حقبة جديدة مع الرئيس السيسي، فأحدثت هذه التغييرات المتتالية عملية تقسية كقطعة الحديد عن تمريرها علي درجة حرارة عالية حتي نقطة الانصهار ثم التبريد فجأة فحدث لنا خلل وإجهاد في منظومة القيم والعيب والمبادئ الأخلاقية والأصول التي بنينا عليها حضاراتنا العريقة لآلاف السنين.
بل وأصبحنا مهزوزين مهزومين نفسيًا لا نجيد إلا الشكوى لغير الله ولا نحسن العمل، أو حتى التمهيد له ، وظهرت علينا أعراض نفسية نعاني منها بعد سقوط حكم دولة الخوف، فظهر الفراعنة الصغار بعد أن سقط الفرعون الكبير مبارك ثم المعزول مرسي العياط وجماعته.
ببساطة نحن في حاجة ماسة ضرورية الآن لإعادة بناء الإنسان مجددًا وبناء ثقته في نفسه أولًا قبل الحديث عن أي بنية أساسية أو تنمية في الحجر،
ينبغي ويجب علينا الاستثمار في البشر بداية، لأن الأجيال حاليًا من 5 حتى 50 سنة قد تم تخريبها بشدة بعملية تجريف تعليمي وتربوي وصحي وأخلاقي بالمخدرات والمواقع والقنوات الإباحية والثقافات الدخيلة من الغرب ودول الجوار و غيرها. وبعد أن تحول أحد أكبر الأحزاب المصرية بعد أحزاب الفساد والبطالة و"أنا مالي" الشهير بحزب الكنبة إلى حزب "كله مالي" وبعد أن سقط الزواج غير المقدس لمراكز القوى بين المال والسلطة ثم انحراف الاخوان عن مسارهم الدعوي إلى السلطة ونار السياسة وإرهاب الشعب.
إن الشخصية المصرية الأصيلة تحتاج إلى مراجعة شاملة الآن اليوم وليس غدًا لإعادة بنائها بعد أن تهدمت جزئيًا أو كليًا، وذلك لخروج المصري للعمل بالخارج وتفسخ الأسر اجتماعيًا وضياع الآباء والأبناء.
إن هذه المآسي والمظالم التي تمتلئ بها ساحات المحاكم وفي قلوبنا السوداء ، والتي يجب أن تُصفى من هذه الأحقاد والصراعات التي قيدنا وكبلنا بها بعضنا البعض، بدل من العمل الجاد سويًا فأغلب العائلات متخاصمة لأسباب عديدة منها أكل المواريث أو صراع على المال أو النفوذ بين الجيران والخلافات الزوجية ، وانتشار وباء الغباء بعد أن تحجرت عقولنا وقلوبنا وتناسينا أصول ديننا الحنيف وتوقفنا عن التفكير بدلًا من التكفير، والإبداع بدلا من الابتداع ، وحتى عدم القبول بالاختلاف الذي هو الهدف من خلق الله للبشر..
وبعد أن انكشف المستور وسقط نظامين للحكم الذي كنا نتذرع ونتحجج بأنه السبب الوحيد في السلبية التي نراها في معاملاتنا مع أنفسنا فقد اتضح الآن بوضوح أننا نعيب زماننا والعيب فينا ومال زماننا عيب سوانا.
فقد مللنا من الكلام والجدل البيزنطي الذي ينقصه الدقة والمنهجية في إيجاد حلول لمشاكلنا من موت للضمائر، وارتفاع معدلات الجريمة ، وودخولنا في النفق الجزائري الدامي المظلم بفعل التخريب والتفجيرات والقتل من الإرهابيين المجرمين لجنود مصر البواسل.
والدليل علي عيوبنا هو أوضاع الجاليات المصرية بالخارج، وتحديدًا في هولندا ، تلك الدولة الصغيرة لكن نادراً ما تجد اتفاق على أبسط الأمور
برغم وجود عشرات الآلاف من المصريين إلا أن التشتت والتشرذم والاستقطاب الديني والسياسي يضرب الجميع بقوة في دول أوروبا وأمريكا
لأننا جميعا نريد الزعامة وفرض آرائنا على الآخرين.
وكذلك الجهل المتغلغل فينا والأفكار المفلسة والمنتهية الصلاحية والأنانية والتسلط، والاهتمام بالعادات وظاهر الدين بدلا من التركيز على جوهره ومضمونه من المعاملات الصحيحة.
باختصار علينا أن نكون أكثر جدية قولًا وفعلًا وأن نتوقف عن التذاكي أو أن نخدع أنفسنا بالاشتغالات والمتاهات مجددًا ، وأن نتحلى بالتواضع صفة العلماء أما الجهلاء والجبناء والبخلاء والخبثاء فيجب عزلهم لأنه لن ينفعنا الآن بعد الله إلا الصدق وإخلاص النوايا وإحسان العمل والعزم والجدية بعيدًا عن المتوهمين بجنون العظمة والغائبين عن الوعي والواقع وأيضًا المنافقين و المحتالين والمهرجين.


















