أبو راضي والكورونا
ا. د محمد المليجي ابو راضي عمره خمسة وسبعين عام ومازال يعمل حارس لعمارة فى الإسكندرية ارتفاعها تسع طوابق بلا مصعد. ابو راضى بواب هذه العمارة منذ بدايتها من اكثر من خمسين سنة. ليس هذا فقط فكما يقول انه كان يعمل في بناءها واختاره صاحب الملك ليكون بواب لها. من يوم ما جاء من قريته لم يعرف إلا هذه العمارة وسكانها الذين سكنوا بها وورثوها لأولادهم جيل بعد جيل وأبو راضي حارسها. أبو راضي تزوج بنت عمه وخلف أربعة أولاد وبنتين في حجرتين تحت سلم العمارة وكلهم كبروا وخرجوا من هذا العش وطاروا بعيد وتركوا ابو راضي وأم راضي وحدهم في هذه العمارة. العيال اتبعتروا في الدنيا اللى راح العراق واختفي من سنين واللى سافر دولة عمان ولا يري أهله إلا كل خمس سنين مرة والتالت ياريته مات من زمان شغال في البطال وطالع من السجن داخل السجن. مفضلش لأبو راضي الا فاطنة وعيالها وهيا كمان ساكنه بعيد في غيط العنب وعلشان تشوف ابوها لازم تركب تلات مواصلات أصبحت العمارة وسكانها وطن ابو راضي، رغم رزالة البعض منهم الذين لا يرحمون هرمه بطلباتهم الكثيرة فهو يخلص بعمله. الساكن اللى في الدور الثالث علوي شقه رقم ٥ الدكتور رفعت صالح، أستاذ في كلية الهندسة وشخصية مختلفه كثيرا عن شخصيات اساتذة الجامعة المعتادين بل ومختلف منذ صغره عن كل السكان الذين يعرفهم ابو راضي. عندما تدخل شقة الدكتور رفعت تشعر انك في عالم مختلف تماما وتشعر أنك في قصر ملكي صغير من بتوع زمان، الفرش بسيط وغير مكدس والاوبيسون والتحف المذهبة والخزف النادر والستائر والسجاد الرائع يلفت الإنتباه. زوجته مثله تماما هادئة قليلة الكلام أنيقة المظهر دائما. زوجة الدكتور رفعت الاستاذة منال كانت مديرة مدرسة في لوران عندما كانت المدارس مدارس والناظر ناظر والتلميذ تلميذ. كانت مربية فاضلة سمعتها الطيبة معروفة في كل الإسكندرية. في ركن من الشقة على طرابيزة مدورة من الرخام الوردي صورة ضابط بحري يقف جوار الملك فاروق، الصورة دي صورة والد الدكتور رفعت عندما كان ضابط بحري في يخت المحروسة الملكي. الدكتور رفعت والأستاذة منال كانوا دايما يعاملون اولاد ابو راضي مثل اولادهم وفاكرينهم في الأعياد والمواسم دائما بالخير. لما انتشرت حكاية فيروس الكورونا الدكتور رفعت الذي بلغ سن المعاش الآن اشتري زجاجتين من مطهر اليدين وصابونتين لأبو راضي وزوجته وذهب لهم ليعطيهم المطهرات وينبهم عن خطر الكورونا لأنهم مسنين ولنري الحوار الذي دار بين الدكتور رفعت وابو راضي. سلام عليكم يا ابو راضى كيف حالكم - تمام يا دكتور وماشية الحمد لله - خد الزجاجتين دول والصابون وعايزك تمسح بيهم وتغسل ايديك كل شوية وتبطل تسلم على حد حتى ولو كانوا اولادك. - ليش كدا يا دكتور حصل إيه يخلينا ما نسلم على الناس - مسمعتش عن فيروس الكورونا يا ابو راضي - سمعت كلام داير بس مفهمتش بالضبط إيه الحكاية - دا فيروس خطير اسمه الكورونا بيتنقل من العيانين بيه للناس باليد وبالعطس. - وحا يعمل ايه يعني فينا اكتر من اللى فينا - دا بيتلف الرئة ويسبب اختناق خاصة للكبار اللى زيك وزيي يا ابو راضي - يتلف ايه يا دكتور .. هيا الرئة عندي فاضل فيها حاجة بعد المعسل والدخان اللى مر بيها ..خليها على الله يا دكتور وخد قزازيك - اذا ماكنتش خايف على نفسك خاف على مراتك يا راجل - في دي عندك حق ام راضي هيا اللى فاضلالى في الدنيا. - المهم تبعد عن اي حد بيكح او بيعطس أو عنده برد. - هه هه هه .. ام راضي طول الليل بتكح وتعطس ومشفتش النوم. الدكتور رفعت خد عشر خطوات للخلف وخرج لسيارته وطلب الإسعاف وانقلبت الدنيا في العمارة واخدوا ابو راضى وزوجته الى المستشفي فورا. ولكن الحمد لله طلع برد عادي مش كورونا.
⇧


















