"عودة عبر الزمن" بقلم د.هدى بسيوني

كتبت : د.هدى بسيوني 

مطارات العالم خالية ، حركة السفر توقفت، المسارح والملاعب أقفلت ، برج ايفل والشانزليزيه فى فرنسا هُجِرت، شوارع أوروبا شوارع أشباح لا يمشى فيها أحد ، زعماء العالم خرجوا ليعلنوا لشعوبهم أنهم عاجزون عن فعل أي شيء.

في هذا المشهد الآية 23 من سورة يونس نستشعر من خلالها عظمة الله : "حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" أعادنا هذا الوباء الي أخلاقنا وأخلاق ديننا الشريف وأعادت لشوارعنا الانظباط والنظافة. 

أعادتنا الكرونا للمنازل كل الاسره بالبيوت إلا للضرورة، الكل يبحث عن معلومة طبية وعلمية وبحثية ويتابع باهتمام مؤشرات العالم في المقاومة للمرض أو الانتشار وأحدث المستجدات. 

استبدلنا التوافه بالأشياء الضرورية، فأصبح الديتول والكحول والكلور والخل أهم من الكاتشب والمايونيز والحلويات والشيبسي والمسلمات ، استبدلت الأم والزوجة المصرية والعالمية الطعام من الجانك فود أو الوجبات الجاهزه إلى الأكل المطهو جيدًا، أصبحت المرأه تبحث عن كل مابه قيمه غذائيه ترفع به المناعة لأسرتها ليمون وسلطة ووجبات صحيه منتظمه، واختفي الديلفري، فلم نكن نعلم ماذا يحمل لنا هذا الوافد المجهول علينا الذي يأتينا بما يمرضنا ؟ 

أصبحت أهميه الصابون والماء أهم من الكريم والبرفان والتزمت الأسرة المصرية والعالم بتعاليم النظافة والطهارة ومواعيد الطعام الثابتة، أعادتنا الكرونا للصلاة جماعة بالمنزل، فالأب يصلي بأولاده ويرعاهم ويراهم على مواعيد الطعام أكثر مما سبق من عمرهم. 

أغلقت المحلات الغير هامة بعد السابعه مساءًا فعاد للشوارع الهدوء والآمان والنظافة، أيام الابتلاءات والخوف من المجهول مثل أيام الحروب، اختفت الجريمة اختفت البلطجة ا،ختفت العصابات والسرقة والخطف والتحرش، اختفى التسول وساكني الأرصفة للتسول والبلطجة واختفى بلطجية الواقف الإجباري بالشارع العادي، وتمضي الحياة الأجمل مع اختفاء العناصر التي دخلت على مجتمعنا خلال العشر سنوات الماضية فأفسدته. 

اختفت مهن الفهلوة، فقد أصبح الكل سائق توكتوك ، ومنظم مواقف سيارات وغيرها ممن لاعمل لهم غير النصب ، وهم بالفعل عناصر إجرامية، اختفى الدخلاء وعادت المهن الأساسية. 

البشرية كلها إلى إنسانيتها ، إلى آدميتها ، إلى خالقها ، إلى أخلاقها ويكفيه فخرًا أنه أغلق جميع البارات والملاهي والقمار حول العالم ، بل وخفض نسبة الفوائد الربوية أيضًا، يكفيه فخرًا أنه جمع العوائل ثانية في بيوتها بعد طول تفرق وفراق .

يكفيه فخرًا أنه أوقف التقبيل بين الجنسين والجنس الواحد، يكفيه أنه دفع منظمة الصحة العالمية إلى الاعتراف بأن تناول الخمور كارثة وعلى من لم يعاقرها يومًا ألا يفعل ذلك أبدًا ، يكفيه أنه دفع جميع المؤسسات الصحية الكبرى إلى الاقرار بأن تناول كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطيرعلاوة على شرب الدم وبيع وأكل والاتجار بالحيوانات المريضة والميتة مصيبة المصائب الصحية وبلاء على كل من يفعل ذلك.

يكفيه فخرًا أنه علم البشرية كيف تعطس؟  كيف تسعل ؟ كيف تتثاءب كما علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل، يكفيه أنه حول ثلث الإنفاق العسكري حول العالم إلى المجالات الصحية بدلًا من العسكرية، يكفيه أنه دفع وزارات ومديريات الصحة العربية إلى حظر تدخين النارجيلة وإغلاق كافيهاتها ، يكفيه أنه حد من الاختلاط المذموم بين الجنسين ، يكفيه أنه أذاق وزراء ورؤساء دول بعضها كبرى وعرفها معنى الحجر والحجز وتقييد الحرية.

يكفيه أنه دفع الناس إلى الدعاء والتضرع والاستغفار وترك المعاصي والمنكرات، يكفيه فخرًا أنه أذل المتجبرين، يكفيه أنه قلل مستوى سموم المصانع التي لوثت أجواء الأرض ، قتلت غاباتها ، لوثت بحارها ، وسعت ثقب الأوزون في سمائها وأماتت الأحياء حول الكرة الأرضية، يكفيه أنه أعاد البشرية العلم والعلماء بدلًا من زيف التكنولوجيا الجوفاء، يكفيه أنه دفع  قيادات كبرى في بلدانها على تقليل اجتماعاتها ومؤتمراتها وتجمعاتها، يكفيه فخرًا أن العالم رجع إلى الله سبحانه وصار الكل يجأر بالدعاء إليه متذللًا له وحده من دون شريك بين يديه. 

حين طغى الإنسان وتجبر وظن نفسه أنه سيبلغ الجبال طولًا ويخرق الأرض ..اليوم فقط أدركت ـ عمليًا ـ كيف يمكن للبلاء الرباني وبأضعف جندي من جنده أن يكون خيرًا للبشرية لا شرًا لها ، فلا تلعنوا كورونا لأن البشرية بعده لن تكون كما كانت قبله إطلاقًا !