الحقيقة المرة "غاز السارين" الوقاية والتخلص منه
بقلم : د.فراج هارون
غاز السارين غاز عديم الرائحة والطعم وخطير للغاية، إذ يؤثر سلبًا على عمل الجهاز العصبي اللاإادي كحركات التنفس مسببًا الاختناق إلى حد الوفاة، ويحاول العلماء تطوير طرق لمعالجة المصابين.
غاز السارين السام غاز قوي جدًا، فكمية قليلة منه أقل من حجم ذرة الملح تكفي للقضاء على حياة الإنسان. ويتم تخزينه على شكل سائل ومن الممكن استنشاقه أو امتصاصه عبر الجلد والعيون. ويعد هذا الغاز عديم اللون والرائحة كالماء تمامًا؛ كما أنه من المستحيل رؤيته عند تبخره في الهواء وهو ما أدى إلى سقوط بعض المدنيين الأبرياء في ريف دمشق في الواحد والعشرين من أغسطس الماضي، واختناقهم دون معرفة ما أصابهم.
يؤثر غاز السارين بشكل أساسي على الجهاز العصبي اللاإرادي المسئول عن الحركات اللاإرادية مثل الهضم والتنفس أو طرف العين، ويؤدي التسمم بهذا الغاز إلى صعوبة شديدة في التنفس حسبما يوضح روب شتوكمان أخصائي علم الكيمياء من جامعة توتنغهام البريطانية، مضيفا أن "الدماغ يرسل رسالة إلى الرئتين للقيام بعملها بشكل طبيعي، إلا أن هذه الرسالة تُقطع ويتوقف التنفس". وتقوم الخلايا العصبية بإرسال إشارة التنفس عبر ما يعرف بالناقلات العصبية إلى الخلايا العضلية، لتتحرر بعد ذلك الإنزيمات المسئولة عن هذه الرسائل إلى الأجزاء المكونة منها مرة أخرى.
أسباب الاختناق :
مثال على تلك الناقلات العصبية مادة أستيل كولين وإنزيمها المضاد أستيل كولين ستراز والذي يصفه شتوكمان بـ"جزء باك مان"، إذ يقوم بتفكيك الناقل العصبي أستيل كولين. وهو أمر ضروري لتوقف العضلات عن الحركة، ويتم ذلك عندما تقل هذه المنبهات وتعود إلى حالة الراحة بعد التنبيه.
ويقوم غاز السارين بتدمير جزيئات "باك مان" ، ما يعني ارتفاع تركيز هذه النواقل العصبية في نقاط التشابك العصبي بسبب عدم تحررها واستمرار تهيّج العضلات في منطقة الذارع حسبما يوضح شتوكمان الذي يضيف قائلا "تبقى العضلات مضطربة ما يعيق تحريك الذراع مهما كانت الرسالة التي يرسلها الدماغ". وإذا كانت رسالة الناقل العصبي موجهة إلى العين لذرف الدموع مثلا ، فإن غاز السارين يؤثر على جزيئات "باك مان" وبالتالي تستمر العين بذرف الدموع بدون توقف حسب الباحث.
ويكون غاز السارين مميتًا إذا ما أثر هذا التنشيط المستمر على الحجاب الحاجز المسئول عن عمليتي الشهيق والزفير. ففي حالة التسمم بغاز السارين تستمر الخلايا العصبية بتحرير مادة أستيل كولين التي تساعد على تقلص العضلات وحدوث عميلة الشهيق دون الزفير بسبب غياب جزيئات "باك مان" ما يؤدي إلى لاختناق.
ويمكن معالجة التسمم بغاز السارين لدى التعرض لكمية قليلة منه، وذلك باستخدام مضاد التسمم براليدوكسيم. إذ يقوم مضاد التسمم بفصل السارين عن جزيئات "باك مان" ما يساعد على تنشيط هذا الانزيم ليقوم بأداء مهمته بتفكيك مادة الأستيل كولين.
البيكنغ باودر والماء لعلاج السارين ورغم عدم توفر مضاد التسمم لدى الجميع إلا أن شتوكمان يؤكد على وجود إمكانية أخرى تتيح علاج التسمم. وذلك بالتنفس عبر منديل يتم نقعه في الماء وكربونات الصوديوم الهدروجينية (البيكنغ بودر). ويساعد المحلول القلوي على نزع غاز السارين حسب شتوكمان الذي يضيف بالقول "من الأفضل أن تكون نسبة القلوية في الماء عالية جدًا".
وللعوامل البيئية تأثير على مفعول غاز السارين. فبرودة الطقس نسبيا في شهر (أغسطس) كان أحد الأسباب التي أدت إلى ارتفاع عدد الضحايا في الهجوم الكيماوي الذي وقع في ضواحي دمشق. إذ تساعد درجات الحرارة المنخفضة على بقاء غاز السارين في الهواء. ففي درجة حرارة عشرين مئوية مثلا يمكن لغاز السارين أن يبقى في الهواء لمدة تتراوح بين يومين إلى عشرين يوم تقريبا. وتساعد درجات الحرارة العالية على تفاعل السارين مع الماء الموجود في الهواء، ما يؤدي إلى تفكك الغاز بشكل أسرع حسبما يوضح شتوكمان.
غاز لا يمكن التعرف عليه :
وتكمن خطورة الأسلحة الكيماوية في عدم إمكانية التعرف عليه. فتأثيرها يتعلق بالرياح. واستعمالها أكثر تعقيدًا من المتفجرات حسبما يؤكد مارتن بولياكوف الباحث الكيمائي في جامعة توتنغهام البريطانية ويضيف قائلاً "لا أحد يمكنه أن يعرف كيف سيكون تأثيرها تمامًا". إذ غالبًا ما تبقى الغازات السامة لفترات زمنية طويلة في الهواء، ما يعني إمكانية وقوع ضحايا بعد مرور مدة زمنية طويلة دون معرفة السبب.
ويعد استخدام غاز السارين وغيره من غازات الأعصاب في الحروب أمرًا نادرًا، ما يجعل التنبؤ بها غير ممكن. إذ تم تطوير غاز السارين من قبل النازيين في أواخر ثلاثينات القرن الماضي. ولم يتم استخدامها آنذاك على أرض المعركة مباشرة أو في معسكرات الإبادة، بل تم استخدام غاز الزيانيد والمعروف باسم "زيكلون بي".
ويشار إلى أن استخدام الأسلحة الكيميائية كان قد تصدر مؤخرًا عناوين الصحف مرتين. فقبل الهجوم الكيماوي الذي وقع في ضواحي دمشق مؤخراً، استخدم السارين في هجومين إرهابيين باليابان. إذ قامت منظمة إرهابية بتنفيذ هجوم في مترو أنفاق طوكيو باستخدام السارين، ما أدى إلى مقتل 13 شخصًا وتأثر الآلاف من آثار الغاز. وفي ثمانينات القرن الماضي أثناء الحرب العراقية الإيرانية، قام صدام حسين باستخدام غاز سارين فقتل حوالي 5000 مواطن في معقل المتمردين الأكراد في مدينة حلبجة إضافة إلى 10 آلاف جريح.
يعطى الأتروبين (وهو مناهض لمستقبلات الأستيل كولين الموسكارينية) لعلاج الأعراض الفيزيولوجية للتسمم. ولأن الاستجابة العضلية للأستيل كولين متواسطة بمستقبلات الأستيل كولين النيكوتينية فإن الأتروبين لا يتعرض أو يؤثر في الأعراض العضلية. يمكن للبرالادوكسيم أن يجدد الكولين استيراز إذا ما تم إعطاؤه في غضون ما يقارب 5 ساعات.
قدّرت سمية السارين على أنها أكثر 500 مرة من السيانيد. وتبلغ الجرعة المميتة لنصف فئران التجربة عند إعطاءه حقناً تحت الجلد 172 مكروغرام/كغ. وتم وصف إجراءات العلاج.
تم إقتراح البيبيريدين، وهو حاجب صنعي للأستيل كولين، كبديل عن الأتروبين؛ نظراً لأن نفوذيته أفضل إلى الحاجز الدماغي الدموي BBB وفعاليته أكبر.


















