إجراء المسببات على الأسباب
كتب : التميمي الحبال
جعل الله تعالى للكون سننًا وقوانين تحكمه ، وقواعد تسير حركته ، فلا يتقدم لاحق على سابق ، ولا يتأخر سابق عن لاحق ، قال تعالى ( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)
جعل الله سننه ميزانًا يضبط قواعد الحياة ، ويتحقق به إعمار الأرض ، والحفاظ عليها الذى هو غاية من غابات الخلق ، حيث يقول سبحانه وتعالى ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها )؛وهو جل شأنه القائل (ولا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها).
ومما لا شك فيه أن الأمم التى أدركت حقيقة السنن الإلهية ،وعملت بمقتضاها ، سادت ، وتقدمت ،حتى ولو لم تكن مسلمة ، بل ولو لم تكن تدين بدين أصلا ، لأن هذه السنن لاتحابى أحدًا ، زلا تجاما مخلوقًا.
وإن من سنن الله تعالى الكونية : إجراء المسببات على الأسباب؛فلقد خلق الله تعالى الأسباب ومسبباتها ، وأمرنا بالأخذ بالأسباب ،فإذا وجدت الأسباب تحققت النتائج،وهذا قانون عام يجرى على الكون كله،فى كل زمان وفى أى مكان ، فلكل شئ سببه.
النار سبب الإحراق ، والقتل سبب الموت،والبذر والحرص سبب للزرع،والأكل سبب للشبع ،والجد والإجتهاد سبب للنجاح،والكسل والإهمال سبب للفشل، وقس على ذلك الكثير.
إن الأمر بالسعر فى الأرض والعمل فريضة دينية ،وواجب شرعى (فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه ).
هذا مفهوم الدين الإسلامي للسعى والجد والعمل والإجتهاد وإعمار الأرض ،فلا حجة لنا حين نتخلف ،تحت دعاوى لا تمت للدين بأى صلة ؛إنما هى دعاوى الخمول والكيل والتخلف عن ركب الحضارة.
إن المتأمل لسيرة الأنبياء والرسل والصالحين يجد أنهم اجتهدوا فى الأخذ بالأسباب فى كل مناحى وشئون حياتهم ،فكان لكل منهم عمل يقتات منه ،ولم يتواكل بل جد واجتهد ،سيدنا نوح نجار ، وسيدنا داود حدادًا،ورسولنا علمنا وقال(ما أكل أحد طعاما خيرا من أن يأكل من عمل يده)
وفى قصة يوسف عليه السلام كان الأخذ بالأسباب والتخطيط المحكم سببا لنجاة البلاد والعباد من من مجاعة مهلكة ،وخطر محقق محدق،فقد أخذ بالأسباب وأعد خطة طويلة مدروسة ،لإنقاذ البلاد من خطر المجاعة التى أحاطت بالعالم كله ،فتحقق لبلاده الأمن والرخاء والازدهار ،والحماية والقوة الاقتصادية ،وجاؤه الناس من كل فج عميق لينالوا من خيرات مصر.
وهذه السيدة مريم ،كان الرزق يأتيها رغدا بصورة تعجب معها سيدنا زكريا ،وفى موقف آخرعلى الرغم من ضعفها ومشقة الألم يأمرها الله سبحانه وتعالى أن تهز جذع النخلة ليتساقط عليها الرطب ، ولو أراد الله أن يتساقط دون حركة لفعل ،ولله در القائل
توكل على الرحمن في الأمر كله
ولا ترغبن فى العجز يوما عن الطلب
ألم تر أن الله قال لمريم
وهزى إليك الجذع يتساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزة
جنته ولكن لكل شئ طلب


















