في استراحة الجمعة "محسن طاحون" يكتب عن : " العودة إلى الله"
بقلم : محسن طاحون
الكل في أزمة كبيرة لا نعرف مداها، والكل متوجس و لديه جزء من الخوف يختلف من شخص لآخر من المصير المجهول ، اتيحت لنا فرصة للجلوس مع أنفسنا لنراجع حساباتنا، ونصلح أمورنا وأحوالنا.
فالكل كان في سباق مع الزمن من أجل المصالح والماديات وفي خضم ذلك نسينا الطريق إلى الله، الكثير منا هجر ذُكر الله والعبادات وبات بينه وبين كتاب الله مسافات بعيدة وربما لا يراه وهنا مكمن الخطر والسبيل لفقدان النعم.
وفي كلمات بسيطة نقول : ((احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك أو احفظ الله تجده أمامك)) وقال تعالى : ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152] وقوله تعالى: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7].
ومعلوم أن حياة المؤمن قائمة بين رخاء وشدة، بين فرح وتَرَحٍ، بين فسحة وكُربة، بين عطاء وحرمان، وهي سنة الله في عباده؛ قال تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35] وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ﴾ [الأعراف: 94].
إن الله عز وجل لا يُعرف فقط عند نزول الشدائد والكربات، وحلول الأزمات وعضَّةِ المُلمَّات، ثم يُنسى عند الرخاء والدعة، والعافية والأمن، وبُحْبُوحةِ العيش، وصحة البدن، فمن اقتصر على ذلك لم يتعرف إلى الله حقًّا، وقد يُجازَى من جنس عمله، فينساه الله في الشدة كما نسيَهُ هو في الرخاء حين كان لاهيًا بملذاته، سادِرًا بنزواته، معتزًّا بماله وجاهِهِ وصحته، غافلًا عن دعاء ربه؛ يقول نبينا صلى الله عليه وسلم : ((من سرَّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكَربِ، فليُكثرِ الدعاء في الرخاء))؛ [ص. سنن الترمذي].
فمن كان يذكر ربه عند الرخاء، يذكره ربه عند الأزمة، في فرج كربته، ويقضي حاجته، ويجعل له مخرجًا من ضيقه، وفرجًا من همِّه، وانفساحًا من غمِّه، ويسرًا من عسره، وتنفيسًا من كربته، كل ذلك بما سلف من التعرف إلى الله وقت السَّعة والدَّعة، وما كان عليه من الدعاء والتحبُّبِ إلى الله بالطاعة، والتقرب إليه بالحمد والشكر.
هذا نبي الله يونس عليه السلام كان يذكر ربه في الرخاء بالعبادة والدعاء والتسبيح، فلما كان وقت الشدة حين التقمه الحوت وكاد يقضي عليه، إذا بالفرج ينزل من السماء، فينزاح الكرب، وينجلي الموقف عن عناية ربانية خاصة؛ قال تعالى: ﴿ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 142 - 144]،وبالمقابل، يضرب لنا ربنا عز وجل المثل بفرعونَ الذي نسي ربه وقت الرخاء، فنسيَهُ ربه وقت الشدة، حين أدركه الغرق فأراد أن يتدارك أمره بالدعاء، فلم ينفعه دعاؤه؛ قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 90]، فجاء الرد القاصم: ﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾[يونس: 91].
والدعاء عبادة ..فادعوا وأنتم مقنعون بالإجابة، والعمل الصالح هو طريق النجاة .. فاحرصوا على أعمال الخير حتى ولو كانت بسيطة وحققوا الإيمان و هو كل ما يحبه الله ويرضاه من الأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة، فمثال الأفعال الظاهرة الصلاة، ومثال الأقوال الظاهرة التسبيح، ومثال الأقوال والأفعال الباطنة الإيمان بالله وخشيته والتوكل عليه، والحب والبغض في الله.
إنها دعوة للعودة إلى الله لتنصلح أمورنا ويفيض الله علينا بالكثير من خيراته و يشملنا بحفظه و عنايته و يكفينا شر ما يؤذينا.


















