التسول بقلم التميمي الحبال
التسول سلوك اختلال ، واضطراب وانحراف يلحق بالإنسان فيصيبه بالطمع والكسل والخمول والكذب ، بل فى أغلب الأحيان يجعله حقيرًا تتجنبه الناس .
فادعاء ماليس فيه ، تغيب الحقيقة،وتذهب الزكاة والصدقات إلى غير مستحقيها ،والتسول ظاهرة ذميمة تشوه صورة الفرد،وتسئ إلى كيان المجتمع ،حيث يظهر المتسول صورته وحالته فى صورة الذليل والمحتقر الوضيع ،حتى ينال عطف الأغنياء والموسرين،
قال صلى الله عليه وسلم (لا ينبغى للمسلم أن يذل نفسه)،كما قال الله تعالى (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين).
ما أجمل أن يتعفف المسلم فلا يطلب العون أو يلحف فيه،ولربما وجد الأشد احتياجا منه،ولكنه يتوارى عن السؤال،ويصون وجهه عن الطلب.
والتسول استعطاء وطلب الصدقة من غير احتياج إليها،ويكون التسول مهنة أو حرفة يحصل بها المتسول ما يحقق الثروة له،والتملك لكل المنافذ والنوافع المفيدة، من خلال ادعاء الفقر والمسكنة ،وممارسة حيل وألاعيب ماكرة تصير مكشوفة للكثيرين، فالمتسول يطلب الصدقة ولا يستحقها بالتحايل على الناس،وذلك جرم يستحق العذاب والعقاب، إذأنه آكل لأموال الناس بالباطل ،وآخذ لما كان ينبغى أن يصل إلى المستحقين الصدقات ،كالفقراء والمساكين وغيرهم من المستحقين شرعا .
صار التسول حرفة يتكسب منها أصحابها ،خاصة فى بعض المناسبات مثل :(وقت الدفن،رمضان،الأعياد ،أمام دور العبادة ،).
اعتمادا على عبارات منمقة ،وقصص مؤلفة ،وادعاءات باطلة ،وحمل لأوراق تغيب فيها الحقيقة،أو ارتداء لملابس بالية ،وكشف بعض العاهات ، أو ادعاء البلاهة ،أو ربط بعض أعضاء الجسم ،وافتعال البكاء والأسى، حتى يستدر عطف عامة الناس وخاصة الأغنياء.
ومن المؤسف دخول الأطفال والنساء إلى ميدان هذه الحرفة،بل أن بعض الشباب قد استهواه التسول فأجازه وأتقنه،بما يحقق له الكسب من أوسع أبوابه.
لقد نهى الشرع الحكيم عن طلب الحاجة مع اليسار والغنى ،فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (من سأل مسألة وهو عنها غنى كانت شيئاً فى وجهه يوم القيامة)، كما نهى عليه السلام عن سؤال الناس،وببان ما يستحقه المتسول من عقاب يوم القيامة ، فقال:(لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى،و ليس فى وجهه مزعة لحم) .
وينبغى على المسلم أن يتعفف عن سؤال الناس وطلب الحاجة عندهم ،ولكن يجب أن يعتمد على النفس فى كسب الرزق ،وممارسة السعى الحلال ليعف نفسه ،وينهض بدوره المنوط به فى الحياة ،من غير تواكل أو تكاسل ذليل وبغيض،أو أن يطمع فيما ليس له وهو عند الأعنياء.
وينبغي أن توجه الصدقات للمستحقين لها بلا ادعاء وتضليل كالفقراء الذين لا يستطيعون السعى فى الأرض،بل ويحسبهم الجاهل بهم أغنياء من تعففهم، فلا يسألون الناس ولا يتسولون ،مع أن سمات الفقر تبدو وتظهر عليهم،وذلك ما صوره لنا القرآن الكريم فى سورة البقرة (للفقراء الذين أحصروا فى سبيل الله لا يستطيعون ضربا فى الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعلق تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم).
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (اليد العليا خير من اليد السفلى ، وأبدأ بمن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر. غنى،ومن يستعفف يعفه الله،ومن يستغن يغنه الله)
رفع الله شأن اليد المنفقة فى مقابل اليد السائلة ،وأن يحرص المتفق على أن يبدأ بم يعولهم ،كما استحث الفقراء على الاستعفاف،والكف عن السؤال،وحفظ وصيانة ماء الوجه والاتجاه إلى العمل المفيد ،وسوف يمنحه الله الكرامة والغنى .
لقد نهانا الإسلام عن التسول وادعاء البؤس ؛حتى لا يكون امتهانا لتحصيل الرزق ،وجاء ذلك من خلال الحض على العمل وبذل الجهد قدر الطاقة ؛ليعف نفسه ويستر حياته فى شبابه وشيبته،فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (ما أكل أحد طعاما خيرا من أن يأكل من عمل يده؛وإن نبى الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده).
والتوجه إلى العمل وبذل الجهد انصراف عن السؤال،لأن اعتباده باب إلى الفقر ،فقال صلى الله عليه وسلم (من فتح على نفسه بابا من السؤال،فتح الله عليه سبعين بابا من الفقر)


















