قصة هيري وروزي
ا. د. محمد المليجي خرجت الشقيقتين للحياة في جحر آمن بين الصخور على ضفة البحيرة الصغيرة بالغابة القريبة من المدينة، وكعادة الأطفال الرضع يظلون في احتياج إلى لبن الأم لفترة من الزمن حتى يتم فطامهم. ظلًا يعتمدن على لبن الأم حتى تفتحت عيونهن وقويت بنيتهم وشعرت الأم بأنه قد حان وقت الفطام. ذهبت الأم للبحيرة وغاصت في الماء وسبحت بمهارتها المعهودة واتت باسماك صغيرة لتضعها واحدة تلو الأخرى في فم صغارها. جزع الصغار من طعم السمك فى البداية ولكنهم شعروا بلذته بعد قليل وظلوا يطالبون امهم بالمزيد منه. دأبت الأم على مشاوير متعددة كل يوم إلى البحيرة لتجلب الأسماك لطفليها الذين كبر حجمهم وعلا صياحهم طلبا للطعام مع الوقت وتطلب هذا منها جهدًا اكبر وأكبر. فكرت الأم في أخذهن للبحيرة لتعلمهم السباحة والصيد بأنفسهم ولكنها نظرت إلى مخالبهم فوجدتها مازالت غصة لا تتحمل الصيد والإمساك بالأسماك. مازال الأطفال صغار على الخروج للصيد. ذهبت الأم لرحلة صيد ولم تعد وانتظر الأطفال عودتها والجوع يقتلهم ولكنها لم تعد، بكي الطفلين كثيرا وظلًا يلومون أنفسهم على كثرة طلباتهم من الأم التي قررت هجرتهم إلى الأبد. كيف لأم ان تهجر ابناءها وهم في هذا العمر وكيف قسي قلبها على طفليها لتتركهم للموت المحقق فإن لم يقتلهم الجوع التهمتهم الثعالب وحيوانات الغابة. خرج اليتيمين من جحرهما يكتشفون ما حولهما ولعلهما يجدون أسماكا تسير في الطريق. لم تكن لديهم خبرة بالحياة ولا من أين تاتي الأسماك. تبا لأم تترك اولادها للموت على قارعة الطريق. كانت هناك طفلة تلعب مع اخيها وهما يتبعان والديهما في نزهة بالغابة وإذ باليتيمين يجريان نحو الطفلة التي انتابها الخوف فصرخت وجرت بعيدا ولكنهم تابعا الجري خلفها ووقف الجميع يتأملون هذه المخلوقات الصغيرة التي وقفت تستجدي صفية وكأنها امهم. تأمل الجميع المنظر الغريب للصغيرين الباكيين من عرسة الماء أو "القضاعة" بالعربية و Otter بالإنجليزية. أحبهما الجميع وقررا أخذهما وإطعامهم ولكن هذا ممنوع حيث تحرم القوانين اصطياد أو أخذ حيوانات أو نباتات من الغابة، كما انهم لا يعرفون ما هو طعامهم بعد. إتصل والد الطفلة بجهة مختصة برعاية الحيوان فوجهوا بتسليم الحيوانات إلى حديقة الحيوان القريبة وكانت الطفلة قد تعلقت بالصغار وعارضت في البداية ولكنها تفهمت ان من مصلحة الحيوانات ان تذهب إلى حديقة الحيوان. استقبلت موظفات حديقة الحيوان اليتيمتين ورأت دموعهما ولكن دموع الطفلة كانت اكثر ، قالت لها السيدة المسئولة عن قسم الحيوانات البرمائية لا تحزني أبدا فسيكونا في رعاية كاملة ويمكن لك ان تراهما في اي وقت تحب. سميت الصغيرات هيري وكانت كثيفة الشعر وروزي لوجود لون وردي حول عينيها. مرت هيري وروزي بمرحلة طويلة من التدريب ليتعلمن السباحة والصيد فقد كانت هذه مهمة أمهما التى غابت عنهما وكانا كالأطفال تماما في كل سلوكهم فهم شغوفين باللعب والأحضان والقبلات مع المدربين بل كانوا يصيحون طلبًا للعون إذا تبلل فراشهم. ولكن في نهاية كل ليلة وقبيل ان يخلدن للنوم يستعدن الذكري الأليمة يوم ان تركتهم أمه ليموتوا من الجوع لولا ان شاهدتهم صفية. قتلتهم الحيرة عن سبب هجرة امهم لهم بعد ان كانت تفيض حبًا وحنانا وتسعي ليل نهار على إطعامهم وراحتهم. تري مالذي جعل قلبها بهذه القسوة دون مقدمات. كانت هيري دائما تحاول ان تهدأ من انفعال روزي وبكائها الذي لا ينقطع كل ليلة لفراق امهم. رغم كل العناية والطعام الفاخر الذي تقدمه الحديقة لهيري وروزي ورغم كل الأحضان والقبلات الجميلة من جميلات الحديقة من البشر كانت قلوب روزي وهيري بها فراغ كبير لا تشغله الا ألأم. مر عام ونصف على استضافة روزي وهيري بالحديقة وقد اصبحا مدربتين على السباحة والصيد وحان وقت إطلاقهما في البرية وكان حفل كبير واتجه الجميع إلى نفس المكان الذي وجدوا فيه أولا بالقرب من البحيرة. خرجت هيري وروزي من الصندوق إلى الخارج وتلفت حولهن ونظرا نظرة وداع للناس وانطلقا يجريان بطريقة لفتت نظر الجميع وكأنهما يعرفان المكان جيدا. اختفت هيري وروزي عن الأنظار وظلا يعبثان بمكان بين الصخور حتى وصلا إلى الجحر الذي كانا يعيشان فيه وإذ بأمهم تقف والدموع في عينيها على بابه. التحم الثلاثة في لقاء لا يعرفه الا من فقد أمه أو من فقدت ولدها ثم وجدها أو وجدته. بكي ثلاثتهم كثيرا ولكن لاحظت هيري وروزي ان ذراع أمهما اليمني مبتورة. فهم الطفلين سريعا لماذا غابت الأم عنهما وهجرتهم فقد هاجمها الثعلب وهي في رحلة عودة لهما وظلت تصارعه وتبعده عن جحرها حتى لا يعرف مكانهما وهربت بعيدا بعد ان فقدت ذراعها في فم الثعلب. لقد أساء الطفلتين الظن بأمهم ولم يعلمن أن الأم لا تهجر ولا تقسوا وإن فعلت فهي ليست بأم. عادت الأم بعد أيام تبحث عن ابنتيها فلم تجدهن وكادت تموت هي الأخرى من الجوع ومن فقد بناتها حتى تعلمت كيف تصطاد بيد واحدة وظلت تنتظر كل يوم بناتها عسي ان تعودا. خلق الله صفات الرحمة والتفاني والكفاح ووضع الكثير منها في الأم مهما كان من اولادها وجعل هذا قاعدة عامة في كل مخلوقاته.
⇧


















