قصة سيدنا موسي عليه السلام ٤
قصة موسي عليه السلام ... ٤ وقف موسى حائرا يرتعش من البرد وسط أهله ، ثم رفع رأسه فشاهد نارا عظيمة تشتعل عن بعد ، امتلأ قلبه بالفرح فجأة ، قال لأهله : أني رأيت نارا هناك ... أمرهم أن يجلسوا مكانهم حتى يذهب إلى النار لعله يأتيهم منها بخبر ، أو يجد أحدا يسأله عن الطريق فيهتدي إليه ، أو يحضر إليهم بعض أخشابها المشتعلة لتدفئتهم وتحرك موسى نحو النار ، سار موسى مسرعا ليدفئ نفسه ، يده اليمنى تمسك عصاه ، جسده مبلل من المطر ، ظل يسير حتى وصل إلى واد يسمونه طوى ... لاحظ شيئا غريبا في هذا الوادي ، لم يكن هناك برد ولا رياح ، ثمة صمت عظيم ساكن ، واقترب موسى من النار ، لم يكد يقترب منها حتى نودي : (أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[1]. نظر موسى في النار فوجد شجرة خضراء ، كلما زاد تأجج النار زادت خضرة الشجرة والمفروض أن تتحول الشجرة إلى اللون الأسود وهي تحترق ، لكن النار تزيد واللون الأخضر يزيد ، كانت الشجرة في جبل غربي عن يمينه ، وكان الوادي الذي يقف فيه هو وادي طوىثم ارتجت الأرض بالخشوع والرهبة والله عز وجل ينادي : يا موسى فأجاب موسى : نعم . قال الله عز وجل : (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ)[2]. ازداد ارتعاش موسى وقال : نعم يا رب . قال الله عز وجل : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)[3] انحنى موسى راكعا وجسده كله ينتفض وخلع نعليه . عاد الحق سبحانه وتعالى يقول: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى{13} إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي{14} إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى{15} فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى)[4] زاد انتفاض جسد موسى وهو يتلقى الوحي الإلهي ويستمع إلى ربه وهو يخاطبه . قال الرحمن الرحيم : (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى)[5] ازدادت دهشة موسى ، إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يخاطبه ، والله يعرف أكثر منه أنه يمسك عصاه ، لماذا يسأله الله إذن إذا كان يعرف أكثر منه؟! لا شك أن هناك حكمة عليا لذلك . أجاب موسى : (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى)[6] قال الله عز وجل : أَلْقِهَا يَا مُوسَى رمى موسى العصا من يده وقد زادت دهشته ، وفوجئ بأن العصا تتحول فجأة إلى ثعبان عظيم الحجم هائل الجسم ، وراح الثعبان يتحرك بسرعة، ولم يستطع موسى أن يقاوم خوفه ، أحس أن بدنه يتزلزل من الخوف استدار موسى فزعا وبدأ يجري ، لم يكد يجري خطوتين حتى ناداه الله : (يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَايَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ)[7] عاد موسى يستدير ويقف ، لم تزل العصا تتحرك ، لم تزل الحية تتحرك . قال الله سبحانه وتعالى لموسى : (خُذْهَا وَلَاتَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى)[8] مد موسى يده للحية وهو يرتعش ، لم يكد يلمسها حتى تحولت في يده إلى عصا ، عاد الأمر الإلهي يصدر له : (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ)[9] وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فإذا هي تتلألأ كالقمر ، زاد انفعال موسى بما يحدث ، وضع يده على قلبه كما أمره الله فذهب خوفه تماما اطمأن موسى وسكت ، وأصدر الله إليه أمرا بعد هاتين المعجزتين معجزة العصا ومعجزة اليد أن يذهب إلى فرعون ليدعوه إلى الله برفق ولين ، ويأمره أن يخرج بني إسرائيل من مصر ، وأبدى موسى خوفه من فرعون ، قال إنه قتل منهم نفسا ويخاف أن يقتلوه ، توسل إلى الله أن يرسل معه أخاه هارون ، طمأن الله موسى أنه سيكون معهما يسمع ويرى ، وأن فرعون رغم قسوته وتجبره لن يمسهما بسوء . أفهم الله موسى أنه هو الغالب ، ودعا موسى وابتهل إلى الله أن يشرح له صدره وييسر أمره ويمنحه القدرة على الدعوة إليه ، ثم رجع موسى لأهله بعد اصطفاء الله واختياره رسولا إلى فرعون ، انحدر موسى بأهله قاصدا مصر . يعلم الله وحده أي أفكار عبرت ذهن موسى وهو يحث خطاه قاصدا مصر انتهى زمان التأمل ، وانطوت أيام الراحة ، وجاءت الأوقات الصعبة أخيرا ، وها هو ذا موسى يحمل أمانة الحق ويمضي ليواجه بها بطش أعظم جبابرة عصره وأعتاهم ، يعلم موسى أن فرعون مصر طاغية ، يعلم أنه لن يسلمه بني إسرائيل بغير صراع ، يعلم أنه سيقف من دعوته موقف الإنكار والكبرياء والتجاهل ، لقد أمره الله تعالى أن يذهب إلى فرعون ، أن يدعوه بلين ورفق إلى الله ، أوحى الله لموسى أن فرعون لن يؤمن . ليدعه موسى وشأنه ، وليركزعلى إطلاق سراح بني إسرائيل والكف عن تعذيبهم ، قال تعالى لموسى وهارون : (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ)[10]. هذه هي المهمة المحددة . وهي مهمة سوف تصطدم بآلاف العقبات ، إن فرعون يعذب بني إسرائيل ويستعبدهم ويكلفهم من الأعمال ما لا طاقة لهم به ، ويستحيي نسائهم ، ويذبح أبنائهم ، ويتصرف فيهم كما لو كانوا ملكا خاصا ورثه مع ملك مصر. يعلم موسى أن النظام المصري يقوم في بنيانه الأساسي على استعباد بني إسرائيل واستغلال عملهم وجهدهم وطاقاتهم في الدولة ، فهل يفرط الفرعون في بناء الدولة الأساسي ببساطة ويسر ؟! ذهبت الأفكار وجاءت، فاختصرت مشقة الطريق ، ورفع الستار عن مشهد المواجهة
⇧


















