" المساجد" بقلم التميمي الحبال
المساجد بيوت الله في الأرض،وزوارها عمارها،وواجب على المسلم تقديسها وتنظيفها وتعطيرها لأنها مكان عبادته وطاعته،ومهبط رحمته ونفحاته،ومنزل سكينته وتجلياته،ومشرق نوره وعرفانه،ومعقل دينه ووحيه،ومدرسة قرآنه وسنته،ومعهد علمه وحكمته،ومحل زيارته وضيافته،وموضع دعائه ورجائه،ومحراب أنبيائه وأوليائه،ومقر ملائكته وجلسائه ومؤتمر بعد ذلك كله،تجتمع فيه قلوب المسلمين وألسنتهم على ذكر الله،لذلك منحها مزيدًا من التقديس والإجلال والإكبار والإعظام ،وجعل تعميرها عنوانًا على الإيمان بالله واليوم الآخر ،ومن علامة خشيته والإهتداء إلى الدين حرمها الله على المشركين والكافرين ،كما حرمها على المحدثين من المسلمين،حرم فيها الكلام والنوم والطعام والشراب والبيع والشراء،وما إلى ذلك مما شأنه أن يحط من كرامتها ،أو ينقص من قدرها أو يعرضها إلى المهانة والصغار.
ويكفى دليلًا على رفعة شأنها أن الله أضاف اسمها إليه في القرآن الكريم كما فى سورة الجن قوله تعالى (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا).
لقد كانت المساجد في صدر الإسلام من السمو والجلال،ما ليس لدواوين الحكومة فى هذه الأيام،ويكفى أنها كانت مركز القيادة ومنبع التشريع ومجلس شورى المسلمين ومصدر الحكم،ومكان التنفيذ،كانت تعقد فيها ألوية الحرب،كما كانت ناديًا للعظماء والأمراء ،حتى أن العظيم منهم كان لا يقطع أمرًا من أمور الدنيا إلا إذا تيامن المسجد واستخار فيه ،وكان المسافر لسفر طويل لا يدخل بيته عند عودته قبل أن يدخل المسجد فأدى تحيته،ولا يبدأ سفره إلا إذا دخل المسجد ليستمد العون والمعونة من الله.
هكذا كانوا يلجأون إلى الله فى المسجد ،يلجأون إليها فى الشدائد وعظام الأمور،فإذا خسف القمر ،أو كسقت الشمس ،أو عصفت الرياح،أو بخلت السماء ،أو أجدبت الأرض،أو عم البلاء واستفحلت الفتنة،أو انتشر المرض ونشبت الحرب،وعم البلاء والغلاء : لجأوا إلى المسجد يجأرون بالدعاء فيه لأنه نقطة اتصالهم بالجهات المختصة،لأنه رمز الحياء فى الأرض،ورسول الأرض إلى السماء،فلا يكاد يختلط دعاء المؤمنين بأنفاس الملائكة المقربين،حتى تهتز السماء للدعاء ،وما هى إلا لحظة حتى تنفرج الغمم،وتنكشف الكرل،وتنجلى الأزمات ،ثم تغمر الأرض نفحة سماوية من رحمات الله،تجعلهاعلى المسلمين جنة ونعيما، وكأنى بهم وقد نزلت عليهم السكينة ،وغشيتهم الرحمة،فطمأنت نفوسهم،وأثلجت صدورهم ،وأطلقت ألسنتهم بالحمد والثناء على الله،فترى وجوههم تطفح بالبشر ،وتفيض بالسرور ،وماذلك إلا بالرجوع إلى الله،ودعائهم إياه.
فيا رباه خالفناك ،وجاهرنا بالمعاصى، وأهملنا بيوتك ةجعلناها لغير ما خصصت له ،فحق علينا العقاب بحرماننا الدخول إليها، ردنا إليك وإلى دينك ردًا جميلًا حسنًا ،وافتح لنا بيوتك فلقد حرمنا من لذة الدعاء فيها .


















