×
15 جمادى آخر 1447
5 ديسمبر 2025
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي

وحش السندباد

وحش السندباد
وحش السندباد

بقلم : د.صلاح شفيع 

 تحطمت المركب بالسندباد البحري بسبب الأمواج الهائجة ، فتعلق بلوح من ألواحها حتى وصل إلى جزيرة .. وصلها وهو في أشد حالات التعب والمشقة والجوع والعطش.

كانت الجزيرة روضة من رياض الجنة،أزهار ، وأشجار ، فواكه كثيرة ، وطيور مغردة .أكل وشبع .. وارتوى .. ثم مضى يستطلع الجزيرة ، لكنه لم ير أحدًا حتى وصل إلى رابية ووجد عندها شيخ شبه عارٍ.. ظنه أنه أحد الناجين من المركب. دنا منه ، وألقى عليه السلام ، فلم يرد .. ثم حرك رأسه متأسفًا ، ثم أشار بيده ، ففهم منها أنه يريد أن يحمله على ظهره إلى الجهة الأخرى.

أشفق السندباد على الشيخ المسكين ، وحمله بالفعل على أكتافه ، حتى وصل به إلى حيث أشار ، وقال له ، وهو لا يدري هل يفهم لغته أم لا ؟  انزل على مهلك ، لكن الرجل لم ينزل ، بل لف رجليه حوله ، كانت ذات شعر كثيف ، وكأنها أرجل جاموس ، حاول البحار أن يرميه من فوق أكتافه ، لكنه شدد ذراعيه على عنقه حتى كاد يخنقه ، وعرف البحار أنه أصبح أسيرًا عند هذا الوحش ، وأنه لربما لا يطلقه أبدًا ، كان يتوسل إليه ، ويبكي دون جدوى، واستمر يمشي حسب إِشارة سيده الجديد .. وإن توقف .. انهالت الضربات على ظهره. 

وقع البحار على الأرض ، لكن الوحش ظل متسمرًا فوق ظهره ، فكأنه لا محيص، يشير له على أشجار الفاكهة ، فيذهب به إليها ، فيأكل وكأنه خادمه المطيع الذي لا يملك إلا الطاعة، وصار يبول ويغوط على ظهره، وإذا أراد أن ينام  يلف رجليه حول عنقه وينام قليلًا ، ثم يقوم ويضربه لينهض البحار المسكين مسرعًا ، ولا يملك البحار إلا أن يقضى وقته في لوم نفسه على شفقته عليه. 

لا يهم هل تخلص البحار من هذا الوحش أم لا ؟ ولا يهم كيف تخلص منه إن كان قد تخلص فعلاً ؟ وهل استعان بالخمر فلما سكر الوحش تمكن أن يلقيه أرضًا؟!  لا يهم كل هذا ، الذي يهم هو هل من المحتمل أن نقابل نحن هذا الوحش ؟ وإذا قابلناه ، هل نسمح له أن يمتطينا؟ ثم نبدأ بعد ذلك في البحث كيف نتخلص منه أم من البداية لا نسمح له بأن يعتلى ظهرنا ؟

لو سألت البحار ، لقال لك بعد تجربتي المريرة مع هذا الوحش ، فالحل الأمثل ألا أورط نفسي ، وأقع  تحت وطأته.. فلا حل .. إلا ألا يركبك الوحش، أتذكرون الفرق بين معاوية وعمرو بن العاص : لما قال عمرو : أنا أخرج من أي مأزق ، وقال معاوية : لكني لا أدخل مأزقًا قط فالحل مع الوحش أن تتبع أسلوب معاوية . لا تنتظر أن يركبك الوحش وتجتهد أن تكون عمرًا وتخلص منه ، بل الحل ألا يركبك من الأصل !

 لكن هل من المحتمل أن نقابل هذا الوحش فعلًا ؟وهل تقتصر تلك المقابلة  لو تحطمت المركب وحملك  أحد ألواحها إلى جزيرة؟ لا .. الوحش .. موجود .. بل لعل بعض الناس إذا لم يجدوه لاخترعوه. 

أتدرون ما الوحش ؟ إنه الحزن ، لا تحفل أن يقترب منك ، ولا تحفل لو صعد أكتافك ، لكنه بمجرد أن يستقر على أكتافك ، ويلف يديه ورجليه حول عنقك وبطنك حتى تندم أنك أشفقت عليه، ولم تحسب حساب العواقب. 

ثمة مثل إنجليزي يقول : إذا نام الحزن فلا توقظه. لعلك فهمت الآن معنى المثل إذا نام الوحش ، فألق به ، واطلب النجاة بكل طاقتك، الحزن كالإيدز يتسلل إلى جهاز المناعة ربما لا يقتلك ، لكنه يتركك عاجزًا عن صد أي هجوم حتى لو كان نزلة برد، الحزن كذلك قد لا يقتلك ، لكنه يضعفك ، فلا يمكنك أن تقاوم ما يستطيعه أضعف الناس. 

الحزن كالبلطجية التي قابلت شاباً قوياً ، فأوسعوه ضرباً ، حتى لم يستطيع الوقوف ، لكنه لا يقع ، فهم يسندونه لسبب ما ، ثمة صبي صغير قادم ، لم يكد يصبح في مواجهته ، ويرفع يده ليضربه على وجهه ، خنا وفي اللحظة نفسها يبتعد البلطحية الذين يسندون الشاب ، ليسقط في التو من لطمة الصغير ، لأنه جاهز للسقط حتى بدون ضربته. 
 لعلك تدري السبب الذي  جعل هذا الشاب القوي لا يصمد لتلك اللطمة .. إنها الحفلة الدامية التى أجهزت على قوته وجعلته على الأرض حتى قبل أن تسقطه لطمة الصغير . ألست معي أن تلك الحفلة مساوية لضياع جهاز المناعة؟ كذلك الحزن سيقدمك لصبي صغير يسقطك بلطمة صغيرة ! 

ها هي فتاة في التاسعة عشرة من عمرها ، تمشي مع أمها ، لكنها تبدو هي الأم لأمها، فهل مشارط الناس هي التي قتلت هذه الصغيرة ؟ لا .. بل بنيتها الضعيفة التي أصبحت مثل خيوط الرتينة كيف تحولت البنية التي تهزم المستحيل في هذا العمر إلى هذا التماسك الشكلي .. كأنها جثة متماسكة الشكل فحسب ، فإن أمسكتها ، تحولت إلى حفنة تراب، إنه الحزن ! 

هكذا .. ارم الحزن على شاب ؛ لن تسعفه عافيته، وسيسقط أمام لطمة الصبي .. ارمه على فتاة .. هي الحياة .. لن تلبث أن تتحول إلى حفنة تراب .. ازرع الحزن في الجنة .. ستجد نفسك خارجها .. وستجد ضحكة .. تقول لك : انتصرت عليك يا آدمي.. أخرجتك من الجنة .. فالحزن هو إبليس .. وإن كان إبليس لا سلطان له على المخلصين ، فإن لا سلطان إلا له مع أهل الحزن..
قال  تشايلوك للقاضي .. من حقي رطل اللحم حسب الاتفاق ، لقد أقرضت بسانيو المال ، فإذا لم يرده في الميعاد ، أصبح من حقي رطل اللحم ، سمعتكم القضائية على المحك ، لا يجب أن تجاملوا مواطنيكم على حساب حقوقنا. 

ـ يؤسفنا أن نجيبك إلى طلبك لننفذ القانون، فخذ رطل اللحم من فخذه، فهذا أخف الأضرار أن يصير بسانيو أعرج فحسب. 
ـ لا يا سيدي القاضي .. إن لي الخيار في اختيار المكان الذي انتزع منه رطل اللحم ! وأنا قد اخترت .. من القلب !
ـ لكن هذا يعني الموت .. لبسانيو !
ـ تلك مشكلته هو !  لكن القانون يعطيني الحق في أن آخذ حقي! 

ياه .. يا تشايلوك .. لست إلا الموت .. أيها الحزن .. ماذا تريد لترحل ؟؟ أريد رطل اللحم .. كما الاتفاق بيني وبين بسانيو، فخذ الرطل من المكان الذي لا يفقده حياته ، لا يا سيدي القاضي، القانون في صفي .. وأنا لا أقبل إلا أن آخذ رطل اللحم من قلبه .. لا أنكر ، نعم أهديه الموت ، وليس أمامه إلا أن يقبل الهدية. 
فمن يقدر على الحزن ! الحزن أقوى جنود الله في الأرض ؛ قد يكون الحديد أشهدها بأسًا، والنار تهزمه، والنار مهما كانت يطفئها الماء ، والماء تحمله الرياح ، والرياح تصده الجبال ، والجبل يقطعه الإنسان، فهذا الإنسان الذي يهزم الجبل يقهره النوم ، ولا يطير النوم من رأس الإنسان سوى الهم . 

لقد قال الإمام علي لو كان الفقر رجلاً لقتلته ، ونقول : وكذلك الحزن ! وقديمًا قالوا من يهديني الحزن يهديني الموت. 

استطلاع الرأي

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 3,566 شراء 3,589
عيار 22 بيع 3,269 شراء 3,290
عيار 21 بيع 3,120 شراء 3,140
عيار 18 بيع 2,674 شراء 2,691
الاونصة بيع 110,894 شراء 111,605
الجنيه الذهب بيع 24,960 شراء 25,120
الكيلو بيع 3,565,714 شراء 3,588,571
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الجمعة 06:11 مـ
15 جمادى آخر 1447 هـ 05 ديسمبر 2025 م
مصر
الفجر 05:04
الشروق 06:36
الظهر 11:45
العصر 14:36
المغرب 16:55
العشاء 18:17