بيت الوطن وحساسية الإنتماء للوطن بقلم : م أشرف الكرم

بيت الوطن وحساسية الانتماء للوطن

لا يختلف اثنان على أن نهضة أي وطن تكمن في حقيقتها من انتماء أبناء هذا الوطن إليه, ذلك لأنه ليس بمقدور أي نظام حكم أن يتابع كل أفراد المجتمع الذي يعيش على أرض الوطن ليضبط أفعاله وسلوكياته لتتكامل مع منظومة البناء في هذا الوطن.

ولا ينكر أحد أن الإنتماء للوطن وأرضه وجنباته, هو الدافع الأول والأقوى والأرقى للوصول إلى تنمية الوطن ودفعه إلى الأمام بشكل لا يدانيه أي شيء آخر غير هذا الانتماء.

وفي السنوات الأخيرة, ظهرت دعوات وطنية قوية ومخلصة, تدعو أبناء مصر بالخارج إلى وجوب الوقوف مع وطنهم كفرضٍ واجبٍ تجاه زيادة إحتياطيات النقد الأجنبي بمصر, وأذكر أننا كنا ندعو لتحويل ولو 10 دولارات إلى حسابات المصريين الخاصة داخل مصر, وبالفعل هبت غالبية أبناء مصر وقاموا بتحويلات بنكية لتحقيق هذا الهدف, في صورة مشرفة ومبهرة أثلجت صدورنا جميعا,

واستتبع ذلك خطوات محترمة من الحكومات المصرية المتعاقبة لتقدم مشروعا عبقريا يهدف إلى استثمار أموال المصريين بالخارج بتحقيق معادلة " كاسب- كاسب " وقدمَت مشروعًا باسم مشروع بيت الوطن إلى مصريي الخارج, والذي يعني بأن إبن مصر سيكون له بيتا على أرضه في مصر برعاية الدولة المصرية,

ولثقة المصري بالخارج اللامحدودة في الدولة وحكوماتها, هرع المصريون بالخارج لشراء قطع الأراضي التي طرحتها الدولة بالعملة الاجنبية الدولارية, وتزاحم الجميع على ذلك لأن تكامل الأهداف قد ظهر جليًا في أن الدولة ستزيد من الإحتياطيات النقدية الأجنبية وفي نفس الوقت سيكون للمغترب أرضا في وطنه حين يعود,

وبذلك يعتبر هذا المشروع رائدا في ربط أبناء مصر في الخارج بوطنهم الأم مصر بزيادة انتمائهم إليه بتملكهم رقعة في أرض الوطن بمشروع بيت الوطن.

إلا أنه وطوال أكثر من خمس سنوات من عمر هذا المشروع, لم يتم تحقيق الهدف المنشود منه, حيث عانى - ومازال يعاني - الكثيرون من ملاك هذا المشروع بسبب عدم استكمال المرافق والبنى التحتية لكثير من المناطق المطروحة, وما تم منها هو فقط توصيل تغذية مياه أمام قطعة الأرض بدون التيار الكهربائي ولا الصرف الصحي ولا غيره من مقومات إقامة التجمعات السكنية -وما تم منه فهو لا يعمل مثلما في نموذج بيت الوطن زايد-  بما لا يسمح لأحد أن يسكن فعليا,

وغير ذلك من تفسيرات خلافية كثيرة في شروط الطرح أدت بالكثير إلى رفع قضايا ضد هيئة المجتمعات الجديدة وتداولتها محاكم القضاء الإداري بالدولة و مازالت إلى يومنا هذا بين يدي القضاء.

مما أدى إلى حدوث ردود فعل سلبية لدى الغالبية العظمى من هؤلاء المصريين الذين سارعوا يوما إلى فكرة جذبتهم للنهوض بوطنهم مصر ولربطهم بالوطن من خلال رقعة أرض سكنية يزداد فيها انتماءهم لهذه الأرض الطيبة بمصر الحبيبة, ومازلت أسمع بنفسي كلمات دامية من كثيرين منهم تجاه ما حدث بهذا المشروع الذي كان مفترضًا أن ينمي فيهم الانتماء.

إن ممارسات البعض من موظفي الدولة القابعين في مكاتبهم سواءًا بتفسيرات تفجر خلافات جوهرية وليست ثانوية, أو بتأخير ترفيق هذا المشروع الحيوي والحساس الذي يمس ثقة المصري بالخارج تجاه إدارات هيئة المجتمعات الجديدة, لهي ممارسات تؤدي إلى خسائر جمّة غير منظورة في الوقت الراهن, وستفقدنا مصدرًا قويًا من مصادر الاستثمار الغير أجنبي من أبناء مصر في الخارج, نحن أحوج ما نكون إليه والذي هو أفضل من الاستثمار الأجنبي بكثير.

بل وستؤدي تلك الممارسات إلى نقل هذه الصورة الذهنية السلبية عن الشراكة الحكومية والتعامل معها إلى جموع من الأجيال المتعاقبة من مصريي الخارج, حين يتداولون مأساة شراكات الآباء مع الهيئة في تملك قطعة أرض يومًا ما, ولم تكن نتائجها إلا المحاكم وضياع استثمارات مليونية بعملات نقدية أجنبية.

وأخيرًا, أَهيب بالمسئولين المخلصين من أبناء الدوائر الحكومية بهيئة المجتمعات وبوزارة الإسكان, إلى الإنتباه إلى هذه الأبعاد العميقة في خسائر مصر الوطن جراء هذا التعامل الجاف مع هؤلاء المصريين الذين يجب أن نهتم بهم ونعمل على زيادة ربطهم بوطنهم وتقوية انتمائهم إليه.

مهندس معماري : أشرف الكرم