وما الفيس بوك إلا مسرح كبير
بقلم : محسن طاحون
وما الفيس بوك إلا مسرح كبير يعج بأشخاص من بيئات مختلفةً ثقافتهم متعددة وأخلاق متباينة، وما إن يظهر موضوع ما في مجال ما إلا وتجد بعض من ينبري من بين الجموع ويطلق العنان بكلماته منتقدًا أو معلقًا أو معترضًا أومؤيدًا.
ويعتبر النقد والتعليق والاعتراض ضرورة للتطوير والتقدم وهما يؤسسان لخلق الإنسان الإيجابي الذي يكترث لما يجري في محيطه الإجتماعي، وعادة النقد التعليق والاعتراض تجعلان الإنسان ليس متفرجًا على الأحداث بل فاعلاً فيها، وصانعاً لها.
يكون الإنسان في هذه الحالة ذو عقل نشط، متيقظ، وناقد، ولكن هناك من يطبق ذلك بموضوعية وخلق رفيع يعكس مقوماته الشخصية من دين وخلق وعلم وثقافة وبيئة راقية وتربية جميلة فيتحقق الهدف منه، إذ يجعل متلقيه في حالة من الإرتياح يجعله يعيد التفكير في الأمر و قد يغير رأيه أو موقفه أو قد يخرج بمعلومة جديدة او فكرة جديدة من النقاش.
وهناك للاسف من لا يفهم أصول النقد والتعليق والاعتراض، فتراه يخرج عن الموضوعية ويقع في مستنقع الابتزال وسوء الخلق وتخرج منه كلمات بذيئة تؤذي الشعور العام وتشق الصفوف وتنم عن درجة الإنحطاط التي يعيش فيها وكم السواد الذي يضمره بداخله فتلقى أراءه الإهمال والتجاهل. تطبيقًا لمقولة إذا سكت عن الجاهل فقد أوسعته جوابًا وتجنبًا للانزلاق لمستنقع البذاءة كما جاء في الأمثال الشعبية : إذا تخاطب اللسانين تساوت الراسين.
وتلك النوعية من الناس تجاهلها أفضل وعدم التحاور معهم خير وهنا أيضا يكون الصمت من ذهب، وجاء في الأمثال: "لا تجادل أحمق فقد يخطيء عليك".
وللنقد والتعليق والاعتراض أصول وقواعد حتى تخرج أي منها بشكل موضوعي وينبني على:
- التفسير: الفهم الأولي لموضوع النقد ومحاولة فهم جوانبه.
- التعليل: الوقوف على أسباب حدوث الموضوع.
- التحليل: تفكيك الأسباب وربطها وفهم أثرها.
- التقييم: مرحلة إصدار الحكم على الموضوع.
ويمكننا تصنيف أنواع من الأمراض النقدية تحت العناوين الآتية:
١ـ الناقد التعويضي: وهم ما يدرجهم الطب النفسي في إطار المصابين بالدوافع القهرية الناتجة عن إحباطهم وفشلهم في تحقيق الذات، وما يعانونه من شعور بالدونية ودنو القيمة، ويحاولون تعويضه في إسقاط هذا الشعور على الآخر ومحاولة جره إلى المستوى الذي يعيشونه، ما يجعلهم في حالة من الرضا عن النفس. واستخدامه لنقد الآخر هو حيلة دفاعية لتحقيق الذات.
٢- الناقد المقارن: هوس المقارنة مع الآخر والانشغال به أكثر من انشغاله في نفسه، وهذا النوع بين الأشخاص العاملين في نفس المجال أو ذوي الاهتمامات المتشابهة، ولأنه غير قادر على تقديم إنجاز بنفس مستوى الآخر، يكون شغله الشاغل هو التقليل من شأن منجز الآخر أو انتقاص أفعاله، من خلال تعظيم قليله وتقليل عظيم الآخر، أو استدعاء طرف ثالث أكثر عطاء من الشخص المنقود ويقارن أداءه به، ما يتيح القدرة على الحط من الآخر بداعي المقارنة.
٣- الناقد المراقب: أبراج المراقبة هؤلاء عملهم هو تصيد الهفوات في أفعال وأقوال الآخر، وهذه المراقبة هي نتيجة الفراغ الذي تعيشه الشخصية، وغياب المشروع والنشاط والعمل، ومن ثم قضاء الوقت في تلك الممارسة التي تبعث النشوة في تفكيك الاخرين من أجل الاستمتاع بها لا غير..
٤-آالناقد المنتفخ: النقاد المثقفين والأكاديميين الذين يعانون حالة مرض أشبه بمرض انتفاخ القالون فلنسميه القالون الثقافي، وأعتقد هؤلاء المثقفين أنهم ممتلئين ثقافيًا ويمارسون الأستاذية والفوقية في ردرد أفعالهم وفي حالات النقاش أو النقد يطلقون إفرازاتهم الخبيثة بطريقة انفعالية تبعث في أنفسهم الارتياح، لذا فإن نقدهم يتخلله الشتم والتحقير ولغة التعالي والترفع على الآخر.
٥- الناقد الشهوي: وهو الناقد الذي يمارس النقد من أجل النقد، والنقد عنده أشبه ما يكون بالغريزة الثقافية، شهيته مفتوحة لالتهام أي موقف أو ظاهرة أو فعل أو منتج، بطريقة تتيح له الاستمتاع بافتراسه وعرض الذات وقدراتها في الإطاحة بالآخر.
وكلها نماذج نراها كثيرًا على مسرح الفيس بوك..وأسفاه.
