دور الثقافة في التجربة الإبداعية
بقلم : د.أحمد سماحه
الموهبة المبدعة التي تحيط بما حولها من مظاهر الوجود وتملك القدرة على التعبير عنها والتي تبدع كما يقول (راسين) الشاعر الفرنسي (شيء من لا شيء) إنما صقلتها الثقافة والتجربة الإنسانية التي يحتضنها وجدان الأديب أو الفنان وانصهرت في شخصيته انصهارًا كاملًا حتى أصبحت جزءً هامًا من مكونات تلك الشخصية وعنصرًا رئيسًا هامًا من عناصر الإبداع فيها، فقدرة المبدع على الإبداع إنما هي نتاج التضافر والتلاحم والانصهار التام بين الموهبة والثقافة التي هي خلاصة التجربة الإنسانية في جميع مراحلها وفي شتى مناحيها، فالثقافة هي التي تأخذ بالفنان أو الأديب من داخل الذات الضيقة إلى رحابة الإنسانية لكي يغوص بداخلها فاحصًا ومتلمس"ا أغوارها فتهبه قدر ما يصل إليه فكره ومعاناته ليفيض عنه إبداعًا غنيًا ومتعمقًا يخرج به عن دائرة الوصف التسطيحي الذي قد لمسناه من خلال بعض النصوص الأدبية شعرًا أو نثرًا ـ والتي قد مرت بنا ووجدناها لم تتعد دائرة وصف الأشياء والتغني بجمالها الظاهري.
تلك التجارب لم تغنيها الثقافة فلم ترتق بمحاولاتها إلى خارج أسوار الحواس لكي تتلمس المطلق في محاولة المعانقة. فطغت عليها ذاتيتها وخصوصيتها.
ومن هنا نستطيع أن نلمس الفارق بين شاعر وشاعر وأديب وأديب حين يتناولان موضوعًا واحدًا فالانفعال الصادق، والقدرة على الانطلاق من الجزء إلى الكل، والتعمق في الرؤيا، واكتشاف العلاقات التي تربط بين جزئيات التجربة، تلك هي سمات التجربة المثقفة التي تبدو في جوهرها عصرية.
وهناك الكثير من التجارب المثقفة التي يمكن الاستشهاد بها من الآداب الأجنبية والعربية، من شكسبير في هاملت الذي عالج فيها مشكلة (الثأر) وبودليير في شعره عن غربة الإنسان وهمومه وأحزانه، والمعري في فلسفته للحزن والموت، وغيرها.. وغيرها..
من هنا ندرك دور الثقافة وأهميتها للتجربة الإبداعية.. وندرك أهمية أن يتثقف المبدع ـ فإذا كانت الثقافة مهمة للفرد العادي فما بالك بأهميتها بالنسبة للأديب أو الفنان الذي سيكون ضمير بلده؟.


















