القرآن الكريم... بقلم التميمي الحبال
يقول رب العالمين في محكم التنزيل (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرًا من الناس لفاسقون*أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون) سورة المائدة ٤٨-٥٠.
هذه آية من كتاب الله تبين لنا منزلة القرآن الكريم فى الأرض وتشرح لنا وظيفته فى الدنيا وأنه ما جاء إلا ليكون قانونًا يحكم. ودستورًا يتبع، وقائدًا يرشد. ومصباحًا يضئ. لا تسعد البشرية إلا به. ولا تقوم إلا عليه. ولا تصلح إلا معه. لأن كليهما من عند الله وصنعه، وهو الذى خلق الغرائز والطباع، وأنشأ العواطف والوجدانات وكون الأجسام والنفوس.
معنى ذلك أن القرآن دواء من خلق الداء، وروى من أوجد الظمأ، ونور من جعل الظلام، فكل حكم يستمد من غيره أو يصدر عن سواه إنما هو تضليل خاطئ، مصدره العصبية والجهل، وينبوعه الهوى والشيطان (ومن يتخذ الشيطان وليًا من دون الله فقد خسر خسرانًا مبينًا*يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا) سورة النساء ١١٩ ـ ١٢٠.
ذلك أمر منطقى معقول لأنه لا يصلح الآلة إلا مهندسهًا، ولا يدير الماكينة إلا مخترعه، فكل منهم عليم بمادتها وكنههاوأسرارها وتركيبها وقطعها وأجزائها.
والإنسان فى ذلك آلة كسائر الآلات، إلا أن مصنعه السماء. ومخترعه هو الله الخالق الحكيم(وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب صنع الله الذى أتقن كل شئ إنه خبير بما تفعلون) النمل ٨٨ ، ومهندسه الرسول صلى الله عليه وسلم (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر٧، ومادته التى يدور بها ويصلح عليها إنما هى القرآن الكريم، ومتى كان مركز قيادته فى السماء فلا يمكن أن يحكم بقوانين الأرض، وإلا اضطربت الموجة بين جهازى الإرسال والاستقبال، وحينئذ يختل نظام العالم، وتسوده الفوضى (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) النساء١٠٥(ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) المائدة ٥٠.
حقًا...ليس هناك حكم أحسن من كتاب الله فهو دواء الإنسانية من أمراضها وأسقامها وعللها وفاتها ، وكيف لا؟.... وقد صنعه الله بقدرته الجبارة، وأنزله من ملكه وملكوته المكانة اللائقة به من الإعظام والإجلال.
لقد نسخه فى لوحه المحفوظ وأودعه بيت العزة. وأنزله فى ليلة القدر من شهر رمضان، بأيدى سفرة كرام بررة على خاتم الأنبياء والمرسلين إلى خير أمة أخرجت للناس، من أقدس أرض وأطهرها. مزودا بجميع العبادات والمعاملات، مليئا بالقواعد الشاملة والقوانين العادلة، والنظم الحكيمة، ذاكرًا حق الفرد والمجتمع، مراعيًا واجب الحاكم والمحكوم، فارضًا حقوق الفقراء على الأغنياء، واضعًا لنظام الشورى والمساواة، مفصلًا سياسة الدول فى الداخل و الخارج، والحرب والسلام، إلى غير ذلك من الفضائل التى ضاقت عن حصرها المجلدات والموسوعات.
هل تطلبون من المختار معجزة
يكفيه شعب من الأجداث أحياه
من وحد العرب حتى كان واترهم
إذا لقى ولد الموتور آخاه.
لقد التفت العرب حول القرآن الكريم، وفهموا مراد الله منه، وهو إضاءة الأرض بنوره، وإصلاحها بعدله، وضبطها بقوانين وأحكامه، فسهروا عليه يحفظونه ويتفهمونه، ويتدبرون إشاراته وعباراته، وألفاظه ومعانيه.
وما زالوا به حتى فجروا ينابيعه واستخرجوا كنوزه، واتجهوا على نوره يفتحون الأرض ويغزون الشعوب، فزلزلوا بتعاليمه كسرى فارس، وضعفوا بأحكامه قيصر الروم، وظلت سيوف المؤمنين خلف القرآن تشرق وتغرب داخل بقاع الأرض حتى تغلغلت فى أحشاء أوروبا وآسيا وأفريقيا، حتى تحقق وعد الله (ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالون) الأنبياء ١٠٥،(ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز) الحج٤٠.
ويح العروبة كان الكون مسرحها
فأصبحت تتوارى فى زواياه
كم صرفتنا يد كنا نصرفها
وبات يملكنا شعب ملكناه
واأسفاه.... خلفهم على ذلك التراث المقدس؛ المتنطعون المتفرنجون المتزحلقون الضعفاء المقلدون، وعلى غفلة.. .استيقظ أعداء الإسلام ورأوا أن قوة المسلمين مستمدة من القرآن الكريم، وأنه جامع كلمتهم، وموحد صفوفهم، فعملوا جهدهم للقضاء عليه.
فدسوا له الدسائس وخلقوا حوله الشبه، وزاحموه بعلومهم وفنونهم وأقاموا لمحاربته المعاهد والجامعات والكليات للتبشير، واستخدموا الأذناب من ضعاف المسلمين والمتأسلمين والمتمسلمين، وما زالوا يعدونهم المناصب العليا والفخمة، ويمنونهم الأمانى العذاب، حتى يبعدوا القرآن عن الدولة، ويقصرونه على الفقراء والمساكين والعجزة والمحتاجين، يكسبون به في الشوارع، والبيوت والمآتم والقبور، وأمام المباول والتلتوارات، حتى صار من يكرم القرآن يضعه فى بيته للتبرك، أو فى مكتبه للتجميل.
هل هذا هو القرآن الكريم الذى عمر الأرض أكثر من ألف عام من الزمن؟ القرآن الذى مكن المسلمين أزمة العالم حينا من الدهر.
القرآن الكريم الذى قال عنه أمير المؤمنين الفاروق عمربن الخطاب (لو فقدت عقال بعير لبحثت عنه فى القرآن) (ما فرطنا فى فى الكتاب من شئ) الأنعام ٣٨، ومع ذلك لا حظ له من عنايتنا، ولا مكان بين أظهرنا.
لا ورب القرآن لا يقبل الله استلامنا حتى نعيد له مجده كما سلف، نزعم أننا مسلمون لأننا نصوم ونصلى ونحج ونعتمر ونزكى، لا يقبل الله استلامنا حتى نعيد للقرآن سلطانه(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) النساء٦٥(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) المائدة ٤٤.
هاهم رجال الأزهر الشريف قاموا بواجبهم نحو الإسلام فوضحوا علوم القرآن ليحتفظوا بالبذور السليمة للقرآن حتى يعود للأرض خصبها ونماءها، وليحتفظوا لنا بالدواء الناجع حتى نقضى على الداء العضال، ونحتفظ بالنور الوضاء، كى يذهب الله عن أبصارنا العمى.
قد أسمعت لو ناديت ميتا
وكم أرجو الحياة لمن أنادى
(وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرا) البقرة١١٠، القرآن الكريم يجب أن يكون فى القلوب لا على المكاتب والرفوف، القرآن الكريم يجب أن يكون في اللوائح التعاريف قبل أن يكون فى الإذاعات والميكروفونات.
قال صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم والترمذى (لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدًا : كتاب الله وسنتى أو سنة رسوله).


















