ذكريات مهاجر مجهول
كتب : د.أشرف يعقوب
لم أخرج من حي العباسية حتى بلغت ٣٣ سنة، ولدت في العباسية، قضيت طفولتي الأولى في العباسية، المدرسة الابتدائية في العباسية...المدرسة الإعدادية في العباسية.. الثانوي في اسماعيل القباني في العباسية، وكلية الطب في العباسية. وحتى حينما عملت، عملت في المستشفى الإيطالي في العباسية.
لم استخدم وسائل المواصلات أبداً، قضيت نصف عمري مشي، كان من الممكن أني أقضي شهور بدون الخروج من العباسية، ولكن الله كان يخبئ لي مستقبلًا من الارتحال المتواصل، والذي لم ينتهى بعد.
بدأ الارتحال بهجرة غير متوقعة و بداية لم تكن مرغوبة أو حتى مقبولة في أولها، هاجرت لإيطاليا ثم دعتني الظروف للهجرة مرة ثانية لبريطانيا.. هجرة واحدة في العمر تهد الحيل، فما بالكم بهجرتين، عشت هذه التجربة مرتين.
بعد خروجي من مصر قضيت سنوات طوال وأنا أدور كالنحلة من مدينة لمدينة ومن بلد لبلد ، ومن جامعة لجامعة ومن مستشفى لمستشفي. ركبت جميع أنواع المواصلات لساعات بل وأيام طويلة.
قالوا إن المهاجر يمر لثلاث مراحل في هجرته:
الأولى هي مرحلة الحنين الشديد لبلده والنفور من البلد المضيف. والثانية هي النفور من البلد الأصلي والإعجاب بكل شيء في البلد المضيف. والثالثة هو مرحلة التوازن بين الشعورين ورؤية الواقع بعين متفهمة لظروف البلدين.
بدأت بمرحلة من الخوف من المجهول وكان قلبي "يطب" كنت أتيقن أنني سوف أبقى في هذا البلد الغريب حتى آخر العمر، كنت عندما اغلق عيناي في قطار أو أوتوبيس أري شوارع القاهرة. وفي عز نومي استيقظ على دوشة القاهرة رغم أني كنت أعيش في بلدة ريفية أعلى صوت فيها هو صوت المطر، كنت اشم رائحة التقلية وطشة الملوخية وأنا طالع على سلالم عمارتي في ميلانو، و بعدها أتأكد أن عندي هلاوس شمية.كنت اسمع شدو شادية أو نجاة مع أن من تشدو هى مينا وتغني بالإيطالي وكنت اسمع صوت عبد الحليم مع أن من يغني هو جينو باولي، وهكذا استمريت قرابة العام ، متخبط ما بين واقعين، لا ادري أين أعيش بالضبط.
سؤال: هل كل مهاجر مر بمثل ما مريت به في أول عام؟
هذه هي المرحلة الأولى ، وفي المرة التالية سأتحدث لكم عن باقي مراحلي في الهجرة.


















