زكاة الجاه
كتب : التميمي الحبال
قال ربنا الكريم فى محكم التنزيل فى سورة النساء (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتًا).
حبب الله إلى المسلمين الخير والمعروف وجعلهم خير أمة أخرجت للناس، وجعل رسوله شفيعًا لأمته يوم القيامة كما جاء بالحديث الشريف ( أنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر).
شاءت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يبتلى الناس بهذه الدنيا، وأن يفتنهم بها، وكان من تمام ابتلائه لهم، وفتنتهم إياهم، أن جعلهم فيها منازل ودرجات طبقات بعضها فوق بعض فقسم بينهم نعمه، ووزع بينهم فضله فكانوا مختلفين فى القسم متفاوتين فى الحظوظ،منهم من أعطاه الله الجاه والسلطان، ومنهم من أعطاه الله المال والأولاد، ومنهم من أعطاه الله الصحة والعافية، ومنهم أعطاه الله العلم والحكمة، ومنهم من أعطاه الله الذكاء والفطنة، ومنهم من أعطاه الله الفصاحة والبيان، ومنهم من تفضل الله عليه وأعطاه كل ما سبق (وما كان عطاء ربك محظورات) الإسراء.(والله على كل شئ قدير) آل عمران.
إلا أن تفاوت الناس فى القسم، وتفاضلهم فى الحظوظ، لم يكن ظلما من الله تعالى لهم، و لا بخلًا منه عليهم، ولا عجزًا أن يسوى بينهم، وإنما ذلك كله أمرا اقتضته طبيعة العمران، وأوجبه نظام الكون، وتطلبه ناموس الحياة، فالتفاضل أمر لا بد منه فى هذا الوجود (وما ربك بظلام للعبيد) فصلت.
بل هو بعباده خبير بصير، ولكن بجانب هذا التفاضل لم ينس برحمته الفقراء والضعفاء، بل لقد أوجد لهم حقوقًا فى المال والجاه عند الأغنياء والعظماء، وفرض علينا التعاون والمساعدة، وأوجب علينا النجدة والمروءة، وأمرنا بفعل الجميل واصطناع المعروف وحبب إلينا البر والإحسان، وحتم علينا نصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، وذلك كله بعض ما ربط بيننا بروابط كثيرة، هى غاية فى المجد والسمو، وجمع بيننا بأواصر عديدة هى غاية فى العظمة والجلال، فلقد وحد بيننا فى العقيدة والدم، والحساب والنسب، والجنسية والدين.
نحن جميعًا عبيدًا لرب واحد، هو الله، وفرع لأصل واحد من التراب، وأولاد لأب واحد هو آدم عليه السلام، وثمرة لشجرة واحدة هى الإنسانية، وجنود لقائد واحد هو الرسول الكريم، واتباع لدين واحد هو الإسلام، وصائرون إلى غرض واحد هو رضوان الله، الذى أمرنا بمساعدة الفقراء والضعفاء، وإغاثة البائسين والملهوفين، ووعدنا مكافأة على ذلك، أن يضاعف لنا فى الدنيا العزة والكرامة، وفى الآخرة الأجر والجزاء (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور) الشورى.
ليست مساعدة الفقراء والضعفاء قاصرة على المال والمساعدات العينية فقط، بل هناك وسيلة للمساعدة هى أفضل من المال للفقراء، وأنجح لعلاجهم، وأشفى لصدورهم وأذهب لغيظهم، وأليق بإنسانيتهم، وهى فى نفس الوقت أيسر على الغنى من بذل المال،.ألا وهى المساعدة بالجاه، بمعنى أنك تذلل لهم الصعاب، وتسهل لهم الوعر، وتفتح لهم المغلق، وتيسر عليهم العسير، وتقرب إليهم البعيد، إلى غير ذلك من الأشياء التى جعل الله إمرها إليك، ووضع مفاتيحها بين يديك، وهذه المساعدة هى زكاة الجاه، لأن الجاه نعمة عظيمة، كالمال سواء بسواء، لابد لها من شكر، ولابد لها من زكاة، وشكرا طاعة الله فيها وزكاتها قضاء حوائج الناس، وورد فى الحديث الشريف الذى رواه البخارى (إن للخير خزائن و إن لتلك الخزائن مفاتيح، فطوبى لمن جعله الله مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر).
وأد زكاة الجاه واعلم بأنه
كمثل زكاة المال تم نصابها.
حقًا :إن المساعدة بالجاه تجارة رابحة إذا كانت لوجه الله، ويكفى أن يكون جزاء صاحبها عليها ما يجده الإنسان من لذة فى نفسه، وأنس فى قلبه، وراحة فى ضميره، وطلاقة فى محياه،وأكرم بها من سعادة روحية، ولذة معنوية، تلك التى يشعر بها الإنسان عقب قضاء حاجة لأخيه، ولكنها سعادة لا يدركها إلا أرباب النفوس الطيبة، والضمائر الحرة، والإحساسات النبيلة، والأحساب الكريمة، والإيمان العتيد، وهؤلاء من مجدهم الله وخلد ذكرهم فى قرآن يتلى إلى يوم القيامة، حيث قال تعالى فى سورة الإنسان (ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا *إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا *إنا نخاف من ربنا يومًا عبوسًا قمطريرًا *فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورًا).
ويقول النبى المصطفى (إن لله عباد اختصهم بقضاء حوائج الناس، حببهم فى الخير، وحبب الخير إليهم، إنهم لآمنون من عذاب الله يوم القيامة).


















