ناس الدهب
بقلم : سمير إمام
يحتفل أهل النوبه اليوم 7 / 7 بيوم النوبه العالمى ..والنوبه هى جزء عزيز من مصرنا الغاليه فهى الحارس الامين على حدود مصر الجنوبية، وبهذة المناسبة أدعوكم لنكتشف سويًا بعض الجوانب التى ربما تكون خافية عن الكثير منا عن النوبة والنوبيين ذلك المجتمع الذي يحمل في جيناته عبر اآلاف السنين حب الجمال والخير والفن والتسامح ولم يأتِ ذلك من فراغ وإنما جاء انعكاسًا للبيئة الساحرة التي كان يقطن فيها النوبيون على امتداد ضفتي النيل الخالد منذ زمن بعيد، فأفرزت ثقافتها الفريدة لغة عمرها اآلاف السنين وعادات وتقاليد وتراث ثرى ممتد منذ عصر الفراعنة إلى الآن والثقافة النوبية هي أحد الروافد التي تصب في بوتقة الثقافة المصرية وجدران المعابد الفرعونية تحكى وتشير بوضوح إلى تاريخ النوبيين ودورهم في مسيرة الحضارة المصرية.
تقع النوبه فى الجزء الجنوبى من مصر وممتدة جغرافيًا حتى الحدود السودانية وتاريخيا إلى عمق المجتمع السودانى.. والنوبه تاريخ وحضارة استقرت حول نهر النيل منذ آلاف السنين وضاربة بجذورها فى عمق التاريخ وهى عالم شديد الثراء لم يبح لنا عن كل أسرارة بعد .. ثقافة وعادات وتقاليد متفردة فالنوبة بمثابة وعاء استقر فيه تراث عدد من العصور المتنوعه التى مرت على مصر . . فرعونيه .قبطية . عربية فضلًا عن البعد الإفريقي . والتراث الحالى للنوبيون يعتبر مزيجًا متضافرًا لتراث كل تلك العصور ويأتى معبرًا عنها بوضوح كامل ويعتبر الفن النوبى واللغة النوبية العريقة كلاهما من أهم حراس هذا التراث، فمازالت اللغة النوبية برغم مرور أكثر من ه آلاف عام عليها أو يزيد حيه ونابضة على ألسنة اهلها .ومازال للفن النوبى دورًا هاما فى الحفاظ على استمرار وبقاء هذه اللغة وأصبح جسرًا عبرت عليه عادات وتقاليد هذا المجتمع عبر أجياله المختلفة.
و فى هذا المقال سنبحر إلى بعض مواطن الجمال فى تراث النوبه وعالمها الثرى وسنركز على جانب واحد منها وهو العمارة النوبيه وهى تعتبر من أهم ملامح التراث النوبى والتى تتميز بخصوصيتها الفريدة ذلك لأنها كانت نتاجًا وإفرازًا طبيعيًا للبيئة التى احتضنت النوبيين على مدار آلاف السنين وجاءت مواصفات البيت فى النوبة القديمة موائمة لتلك البيئة من حيث التصميم والتقسيم الداخلى ومصادر الإضاءة والتهويه ومخارج ومداخل البيت فضلًا على أن مواد البناء المستخدمة مثل الطمى والطفله والحجر الرملى والجريد و جزوع النخل وأنواع أخرى من الأشجار كان مصدرها البيئة المحيطة وهى مواد بطبيعتها ملائمة للاجواء الحارة و الجافة التى كان يعيش فيها النوبيين . أما ما يتعلق ببناء البيت نفسه فكان يراعى ان يبنى مطلا على النيل مع ميل خفيف الى ناحية الشمال اما النيل فهو عشق النوبيين الاول و يحبونة لدرجه القداسة ..و الشمال حيث مصدر الهواء الرطب المنعش.. أما اسقف البيوت النوبيه فتنقسم إلى نوعين الاول كان يستخدم فيه الجريد وزعف النخيل و بعض العوارض الخشبيه و كان يستخدم هذا النوع من الاسقف القرى المتأخمة للنيل و النوع الثانى من الأسقف اعتمد على بناء القباب ( القبو ) و استخدمته القرى التى تقع قريبة من الجبال و كلا النوعين كانا من أهم ما يميز التصميم المعمارى للبيت النوبى.. و لابد ان نلفت النظر إلى أن التصميم المعتمد على القباب يلعب دورا مهما فى تخفيف وطأة الحرارة فى فصل الصيف و ذلك بأن الفتحات الموجوده أعلى القبو تحدث خلخلة للهواء داخل المنزل يجلب معها الهواء البارد و يدفع بالهواء الساخن إلى الخارج وتقسيم البيت من الداخل يستوفى احتياجات ومتطلبات الأسرة من حيث الاتساع والشمول وقد تصل مساحتة الى ٥٠٠ م٢ تقريبًا تشمل الفراغات المتمثله فى الأحواش السماويه ومخازن الحبوب وعددًا من الغرف التى يتناسب عددها مع عدد أفراد الاسرة المقيمة بة أما حظائر الحيوانات فكانت تشيد خارج المنازل حفاظًا على نظافتها وعملية البناء كان يشارك فيها أهل القرية جميعًا وذلك انطلاقًا من مبدأ التكافل الاجتماعى السائد حينئذ فى المجتمع النوبى والذى كان يدفع أفراد القرية الواحدة جميعًا بالمشاركة وبدون مقابل فى بناء أى بيت جديد بالقرية دون الاستعانة بأى فرد من خارجها.
وكان للنساء دورًا فى عملية البناء حيث يقع على عاتقهن أعمال الدهان والتلوين مستخدمين فى ذلك أنواعًا من الطمى والحجارة ذات الوان طبيعية تجلب خصيصًا من الجبال المتأخمة للقرى حيث يتم طحنها واستخدام مزيجها فى تلوين الواجهة الخارجية للمنزل بالزخارف زاهية الألوان . وجدير بالذكر أن المهندس حسن فتحى شيخ المعماريين فى مصر هو أول من أخذ على عاتقة نشر العمارة النوبية كطراز معمارى فريد مستوحى من البيئة وبمواد بناء من الطبيعه وذات تكلفة منخفضة مقارنة بنظم البناء الحديثة الاخرى و فى نفس السياق تبنى المهندس حسن فتحى مشروعًا لبناء عددًا من القرى على الطراز النوبى فى الوادى الجديد وفى البر الغربى بالاقصر حيث أقام هناك قرية ( القرنة ) كنموذجًا لهذا الطراز الذى أطلق علية حسن فتحى فيما بعد ( عمارة الفقراء ) .
وكل سنة وأهل النوبه بخير و طيبيين.


















