الرشوة.... لعنة العصر
كتب : التميمي الحبال
أمرنا الله تعالى بمعونة الفقراء والضعفاء ليزيدنا فضلًا وإحسانًا، وليغمرنا بكرمه وجوده، ويوفقنا إلى فعل الخيرات وإسداء الجميل.فلقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فضل معاونة الضعفاء كما ورد عنه فى الحديث الشريف ( أبلغوا حاجة من لا يستطيع إبلاغها فمن أبلغنى حاجة عاجز أو ضعيف كنت شفيعا له يوم القيامة) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين) المائده ، وقال أيضًا (وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) المائة .
يأمرنا الله أن نكون واقفين بأنفسنا عند حدوده مطيعين لأوامره، منفذين لأحكامه فلا ينبغى لمسلم كامل الإسلام، ولا يحل لمؤمن صحيح الدين، يخاف الله ويخشاه أن يحرم على نفسه شيئا أحله الله له، وأباح له تناوله وتعاطيه، لأن فى ذلك خروج على أمره سبحانه وتعالى، وإهمال لأحكامه دينه، وتعد على حقوقه المشروع، وهذا أمر يبغضه الله، وخلق يعذب كل من تخلق به، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى فى سورة البقرة (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين).
وكما أن الله أبغض المعتدين الذين يحرمون الحلال الطيب على أنفسهم، فإنه. سبحانه وتعالى أبغض الفاسقين الفجرة الذين يبيحون لأنفسهم الحرام الخبيث، والذين يأكلون أموال الناس بالباطل، ناسين أن ذلك يحبط أعمالهم ويظلم أرواحهم ويبعدهم عن الله بعد المشرقين، ويقطع كل صلتهم بعالم السماء فلا يمكن أن يصعد لهم دعاء، ولا يمكن أن يتحقق لهم رجاء، ولا يقبل الله لهم صلاة أو زكاة، ولا يرفع لهم حجا أو صياما، ولا يكتب لهو أجر غزو أو جهاد..، لأن بطونهم إمتلأت بالحرام، وقلوبهم محجوبة عن ربها بكثرة الذنوب والآثام، ولا يمكن أن يتقبل الله منهم أعمالهم أو يبارك فى أولادهم وأموالهم، إلا إذا أقلعوا عن أكل الحرام، وأبعد ا أنفسهم عن كل مشبوه ومحظور.
لقد كان سلفنا الصالح فى الحلال الطيب أزهد من المسلمين اليوم فى الحرام الخبيث.كانوا يتركون ما لا بأس به خوفا مما به بأس.فقد ثبت عن سيدنا عبد الله بن عمر قوله لأصحابه (لقد أدركت صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يتركون تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع فى الحرام، وكانوا فيما أحل الله لهم أزهد منكم فيما حرم عليكم)ولكن المسلمين اليوم قد وصموا بعارهم الإسلام، وأخروا بانحطاطهم الدين، فهم عبيد لشهواتهم واتباع لأهوائهم، لا يؤمنون إلا بالمال، ولا يدينون إلا بمنطقه، ولا يقدسون إلا المادة.أما أن يفعلوا الخير ليرضوا به ربهم، أو ليسعدوا به ضمائرهم، أو ليمتعوا به أرواحهم..... ذلك كله لا قيمة له عندهم ولا تقدير، فهاهم عظماؤهم اليوم، أو المتعاظمون منهم يتاجرون بمناصبهم وجاههم ويضاربون بأحسابهم وأنسابهم، فلا يفتحون بابهم للفقير إلا بثمن مخصوص، ولا يبسطون وجوههم إلا بثمن مخصوص، ولا يتجهزون نحو الخير إلا بثمن مخصوص، فهم ـ كعداد التاكسى ـ لكل خطوة عندهم ثمن ولكل مسافة تسعيرة.
ما أحقر هؤلاء الجبناء.... لقد رضوا أن يعيشوا كالبهائم، لا قلب لهم ولا ضمير ولا رجولة عندهم ولا إنسانية ولا حياء فيهم ولا دين (يأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم) محمد (لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذاب عظيم* سماعون للكذب أكالون للسحت) المائدة.
بهؤلاء وأمثالهم تأخر الإسلام، وإلتوت طرق العيش على أهله وتعقدت أسباب السعادة بين أبنائه، وإختلت موازين الشخصية بين الرجال، وضاعت الكفاءة فى جميع الأقلام والأعمال، وأصبح كل إنسان يستطيع يصل إلى ما يشاء، ما دام يملك ثمن ذلك وهو المال، وما أكثر جناية المال على الحقوق، فطالما أحق الباطل وأبطل الحق بين الناس، وفى هذا قال الشاعر :
وكنت إذا خاصمت خصمًا صرعته
لدى الحكم حتى خاصمتنى الدراهم
كل ذلك بسبب الرشوة البغيضة
وهى مكروهة بالطبع، ومذمومة فى العرف، ومحترمة فى الدين والقانون، لأنها تميت الضمائر، وتقتل النبوغ، وتبهت الحياة، وتضع الأشياء فى غير مواضعها، وتجعل عالى القوم سافلهم، ورءوسهم أذنابهم، وذلك أمر له خطره فى هدم صرح الإسلام، الذى يقرر التفاضل (وما منا إلا له مقام معلوم).
وقد ورد فى الأثر (أنزلوا الناس منازلهم) وليس داء الرشوة قاصرا على الأمراء والمتعاظمين، بل مما يؤسف له أن عدواه سرت إلى صغار الموظفين وأرازلهم، من سعاة وحجاب وفراشين وبوابين وجنود وخفراء وتومرجية وممرضات، بل لقد انتشرداء الرشوة بين هذه الطائفة السافلة انتشارًا مروعًا، فهم لا يقدمون لك كوب الماء بيمينهم إلا ليأخذوا الرشوة بشمالهم، ولا يقدمون لك معونة إلا بقدر ما تمنحهم من المال، والويل كل الويل لك إن قصرت فى أداء ضريبتهم، فسوف يشيعون عنك الكذب، ويقولون عنك القبيح، لأن نفوسهم ضعيفة دنيئة، وأصولهم خسيسة، وطباعهم لئيمة، وهذا هوالسر فى أن الله لم يبارك لهم فى عرق جبينهم، ولا أجور أتعابهم، لأنهم يدخلون على الحلال الطيب المحرم الخبيث فيمح منه البركة، بل لربما قضى عليه وضيعه.
جمع الحرام على الحلال ليكثره
دخل الحرام على الحلال فبعثره
(فصب عليهم ربك سوط عذاب * إن ربك لبالمرصاد) الفجر.
إذا كانت الرشوة قد تمكنت من صغيرنا وكبيرنا، فقد حق لله أن ينزل عقابه وانتقامه منا، وأن يضاعف علينا عذابه، لقد أنزله بالفعل، فلقد كثرت الفتن وتعددت المصائب، وانتشرت الأمراض والأوجاع والعلل التى لم تكن موجودة فى أسلافنا، وهذ تأكيد لقول رسولنا الكريم (ما انتشرت الفاحشة فى قوم إلا وسلط الله عليهم الأمراض والأوجاع والعلل التى لم تكن موجودة فى أقرانهم) (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض)


















