الإعلام العربي والقضايا العربية
بقلم : د.أحمد سماحه
مرات عديدة وأنا ومعي آخرون من الذين لاحظوا الغياب المؤلم للإعلام العربي في الكشف والتعبيرعن قضايا عديده ، نحاول استنهاض هذا الخطاب، ليؤكد أنه سلاح لا يقل تأثيره عن أي سلاح، المهم أن يختار كيف ولمن يتوجه.. فكل خطاب سواء كان أدبيًا أو إعلاميًا أو طبيًا أو عقائديًا أو غيره، يختار متلقيه، يحدده تماما، ويتوجه إليه وفق مجموعة من المعطيات المؤثرة.
فالخطاب الأدبي يختار قارئه الضمني ويحدد هوية توجهه، بل ويعرف أبعاد هذا القارئ (ثقافته، مزاجه، وعيه) وكذلك الخطاب الإعلامي الذي يدرك (حتى قبل صياغته) لمن يتوجه ومن هو المتلقي المعني بهذه الرسالة، وما فحوى هذه الرسالة كي تؤدي دورها المطلوب؟
وهكذا يمضي كل خطاب، باحثًا عن متلقيه وفق هوية توجه معين تحدد صيغة هذا الخطاب والهدف من بثه. من خلال هذه الرؤية أو هذا المنظور يمكن للخطاب أن يحمل معطيات نجاحه (أيًا كانت فحوى الرسالة الموجهة).
والخطاب الإعلامي الذي تابعناه طويلًا وحاولنا أن نعرف هوية توجهه خاصة خلال الأزمات والقضايا الكبرى التي تمس واقعنا بكل أبعاده ومنها قضية سد النهضه والتدخل التركي في ليبيا وحصار غزه وغيرها من القضايا .. لا نستطيع أن نطبق عليه المنظور السابق الذي طرحناه، فعبر سنوات طويلة لم يستطع هذا الإعلام تحديد هوية توجهه وإذا تحددت نراها قاصرة لا تتعدى حدود الإقليمية أو الفئوية، فثمة تركيز على جوانب معينة دون أخرى، وثمة تسطيح يصل في أوقات كثيرة حد العبث. ومقارنة بالخطاب الإعلامي اليهودي، نرى أن هذا الخطاب (اليهودي) يدرك تمامًا هوية توجهه، وماهية القضايا التي تطرح ولمن تتوجه. إذن يمتلك هذا الخطاب إضافة إلى الجانب التقني الذي نملكه أيضًا.. خبراء في قياس الرأي العام وفي سيكولوجية التلقي، ومتى تكون استجابته فاعلة. وما السبل التي يمكن من خلالها الولوج إلى عامله الفكري أو النفسي والتأثير فيه؟ وما صيغة الخطاب الموجه وكيفية الالتفاف به. أمور كثيرة وعديدة يمتلكها هذا الخطاب (أيا كانت رسالته ومدى مصداقيتها) لكي يحقق الهدف المرجو الذي يخدم أيديولوجية وفكر الباحث وقضيته التي يعمل من أجلها.
مقارنة بهذا الخطاب، نجد إعلامنا المحلي والعربي يفتقد كثيرًا إلى الرؤية التي تمكنه من تحديد متلقيه الضمني المعني الأول بالرسالة وهوية التوجه التي تحدد فحوى هذه الرسالة والغرض من توجيهها.
لأعوام طويلة لم نستطع أن نؤثر في العالم، ولا نغير من رؤيته حول قضايانا الكبرى، ومنها القضية الفلسطينيه وقضية سد النهضة والحرب التي يخوضهاالحوثيون للهيمنه علي مقدرات اليمن والمجازر والاعتداءات.
إننا في ظل تعاظم وتنامي دور الإعلام، الذي كشفت عنه الأحداث ، بدءً من حرب الخليج وحتى الحرب الأفغانية وقضايا الإرهاب وقضية جاستا وكورونا الآن.. علينا أن نعيد النظر ونحدد ـ بدقة ـ هوية توجه خطابنا الإعلامي والإبداعي، والرسالة التي ينبغي نقلها إلى العالم، ونستقطب الكفاءات الحقة لصناعة هذا الخطاب ودراسة أبعاده جيدا في كيفية النفاذ إلى العالم. فالإعلام سلاح لا يقل تأثيرًا وخطورة عن أي سلاح آخر، بل يتفوق عليه، ولنا (أكرر) أن نتساءل كيف تمكن اليهود وهم كانوا أقل مرتبة اجتماعية من (الزنوج) في أمريكا أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه الآن من نفوذ وقوة وتأثير في العالم رغم قلة أعدادهم؟
اترك لكم الإجابة رغم وضوحها واستدعي معكم جهد مردوخ الذي يسيطر على إعلام أوروبا والعالم.


















