الإمارات وإسرائيل ومستقبل المنطقة العربية
بقلم : د.محمد حجازي
منذ بداية أزمة كورونا ومغازلة الإمارات وإسرائيل لبعضهما البعض في عدة مجالات أهمها الأبحاث والتعاون الطبي والإنساني والتقني، مايبدو أنهما وصلتا لأرضيات مشتركة نحو الاتفاق بينهما وبرعاية أمريكية حول صيغة للتعايش السلمي بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي من خلال وقف ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية - مؤقتًا - والتمهيد لإقامة علاقات ثنائية بين الإمارات وإسرائيل.وفور الإعلان عن هذا الخبر انقسم المتابعين والمهتمين بين مؤيد ومعارض .
حجج المؤيدين للقرار الإماراتي :
يسوق المؤيدون لهذه الخطوة الحجج التالية :
١ - أن بوادر السلام العربي الاسرائيلي باتت أكثر وضوحًا وتحديدًا برضا ملموس لدى كافة الأطراف ، عشرات السنوات من الصراع لم يستفد منها أي طرف ، وعلي حد قولهم لن تجد ولا مثال واحد منذ عام ١٩٤٨ م يمثل نجاحًا عربيًا أو إسرائيليًا فيما يخص قضية فلسطين .
٢ - أن الحقيقة الصادمة هي أن إسرائيل احتلت الأراضي الفلسطينية بالتنمية والوظائف والمشروعات المشتركة أكثر من احتلالها بقوة السلاح.
٣- أن ميزان المصالح بين الفلسطينيين والإسرائيليين أصبح يميل للتعايش وليس للتصادم.
٤- تنحر نظام الحمدين في قطر من الوريد للوريد.
٥- تعزز السلام في المنطقة العربية
٦- جعل نظام الملالي في إيران في سكرات الموت.
٧- تجعل الخليفة العثماني يبيع ما تبقى من خلافته ، ليس ليطول مدة بقاءه بل لينفذ بجلده .
حجج المعارضين للقرار الإماراتي :
بينما يرفض أصحاب الشعارات الوطنية والقومية مجرد سماع أي خبر عن أية خطوة التقارب بين دولة عربية إاسرائيل فيما يخص قضية فلسطين .وينظرون إلي أن القضية الفلسطينية هى
جوهر الصراع العربي الإسراييلي .
هي يرون أن قضية فلسطين هي ليست قضية شعب إنما هي قضية إسلامية وعربية ... و من يتنازل عن فلسطين تحت أي ذريعة أو أي مسمى فإنه يتنازل عن دينه وعروبته ..
وجود طرف ثالث :
المؤسف أنه بين هؤلاء وهؤلاء فريق ثالث يعيش ويقتات على هذا الصراع من الطرفين ولا يريده أن ينتهي. منذ عام ١٩٤٨ م وهو يتكسبون من هذا الصراع علي حساب الشعب الفلسطيني.
وجهة نظر استراتيجية :
النقاش حول هذا الموضوع مابين معارض ومؤيد لن يقدم ولن يؤخر، الأفضل هو محاولة معرفة ما تأثير هذه العلاقات على المنطقة؟ من وجهة نظر استراتيجية بحتة:
عند سماع الخبر يصيبك شيء من الإنزعاج والضيق ولكن لو وضعنا هذه الاتفاقية في خانة التكتيك السياسي المرحلي لمواجهة تحديات وتحالفات بالمنطقة من دول إقليمية إحداهم ( تركيا ) يقيم علاقة مع الكيان الصهيوني والأخر ( إيران ) يمثل عدائها وكلاهما يستخدمها فراعها للتوغل فعالمنا العربي والمتاجره بمصير شعوبها.
ودولة خليجية مراوغة ( قطر ) تثير شعوب المنطقة على قادتها وتتهمها ببيع للقضية الفلسطينية في الوقت الذي تفتح فيه خطوط تواصل واتصال مع الكيان الصهيوني لخدمة نفوذها وتحقيق أطماعها وأطماع حلفائها ، خطوة الإمارات تنهي وتحرق هذه الورقة.
الغريب في الأمر قبول التيارات والأحزاب الإسلامية وبعض الدول العربية إن تمارس تركيا ( قائدة الإخوان بالمنطقة ) دور التقارب مع الكيان الصهيوني لخدمة مصالحها التوسعية ومصالح أذنابها بالمنطقة للاستيلاء على السلطة وتحقيق طموحاتهم الحزبية.
دعني اطرح تساؤلًا : هل التقارب بين الإمارات والكيان الصهيوني لو تم وضعه في خانة المهادنة والسلام المؤقت لجلب مصلحة أكبر أم مقبول أم مرفوض ؟
في ظل حقيقة أن اطماع إسرائيل قد اتضح حدودها في الوقت الذي لم يظهر لنا حدود أطماع دول إقليمية بالمنطقة ( تركيا وإيران ).
إن الأطماع التركية والإيرانية أكبر مهدد حالي للعالم العربي - اقرأ المشهد بنفسك - والتطبيع ربما أتى كتهدئة واحتواء للأطماع التاريخية الأخرى.
وهو ما اتضح جليًا من تصريحات الطرف الإيراني الذي وصف القرار الإماراتي بأنه عمل غير مشروع وأنه مسرحية فبركتها أمريكا.
في المحور الخليجي لا يوجد قناة اتصال مع إسرائيل سوى قطر التي على ما يبدو أخفقت في دورها مع قطاع غزة، وأصبح دفع الأموال يثقل كاهلها فلم يعد تطبيعها ذو أهمية بالنسبة لإسرائيل.
يعاب على صانعي القرار في إسرائيل أنهم يتلاعبون بخيوط المشهد، فهم أصدقائك لكنهم في نفس الوقت أصدقاء حميمون لأعدائك وهذا مالا يستطيع العرب التعامل معه أو على الأقل تفهمه.
العلاقات بين الامارات واسرائيل ستؤدي لخسارة المكانة الاستراتيجية السابقة لقطر، وعلى إثرها ستقوم بشن الحملات الإعلامية المتتالية لشيطنة الإمارات، وفي نفس الوقت ستقوم بتقديم كافة التنازلات الممكنة للحفاظ على مكانتها عند تل أبيب.
تركيا كأكبر شريك شرق أوسطي لإسرائيل قد يجعلها تتخذ موقفًا عدائيًا لإسرائيل وتقدم نفسها كدولة إسلامية تحمي القدس من الاحتلال، بسبب اختلال متوقع للميزان التجاري والمكانة الاستراتيجية، كذلك توترات شرق المتوسط مع تركيا فيما بين كل من قطر وقبرص واليونان في مواجهة تركيا.
ولذا جاء رد فعل أردوغان :تركيا قد تقوم بسحب سفيرها في الإمارات ردا علي القرار الإماراتي .
* حتى الآن لا يوجد صيغة واضحة حول أثر هذه العلاقات على القضية الفلسطينية سوى تعهد إسرائيل بوقف ضم الأراضي - مؤقتا .
كلمة ختامية :
------------------
المنعطفات التاريخية الحادة في المحيط العربي لن تتوقف على مثل هذه الأخبار، التطورات ستزداد وتيرتها الأشهر القادمة لكن كل ما آمله أن تكون في صالح الوطن العربي ضد الأطماع والتدخلات الخارجية، وما شأنه أن ينهي حالة التهديد وينزع فتيل الحرب.


















