×
15 جمادى آخر 1447
5 ديسمبر 2025
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي

مذكرات مهاجر مجهول (10)

مذكرات مهاجر مجهول (10)
مذكرات مهاجر مجهول (10)

بقلم/ أشرف على يعقوب

و بعد أسابيع من المشاهدة و المساعدة أصبحت جاهز لعمل القسطرة القلبية كالممارس الرئيسي و كانت بالطبع مسئولية كبيرة علي و على المشرفين علي.

كنا نتعقم كما لو كنا داخلين عملية جراحية كاملة. و لذلك كنا نغسل أيدينا عدة مرات بالمطهرات حتى الكوع، و لاحظت احدى الممرضات ، و كانت ضخمة الجثة و سليطة اللسان ، انني استهلك كميات كبيرة من الماء و اغرق كل المكان بالمياه و كذلك الارض و الأثاث القريب من الحوض. و قالت لي صارخة "اقفل الحنفية عندما تحك يديك بفرشة المطهر ، و لا تبعثر الماء في كل مكان ، نحن هنا لسنا في مصر حتى يجف الماء في غضون ساعة، هنا لا يجف الا بعد ايام" و فكرت و لساني حالي يقول لها " نعم يا صديقتي ، عندك حق ، و ما احوجنا نحن في مصر ان نتعلم ترشيد استعمال المياة". و رغم فظاظتها فقد قامت هي بتجفيف البلاط الذي أغرقته انا.

و كنا نستعمل قسطرة قلبية ببالون لتوسيع الصمام الميترالي، او الشراعي، لأن شكله يشبه شراع المركب. كانت قد اخترعها طبيب ياباني فسميت باسمه " قسطرة او بالون "إينوه". كان ثمن هذه البالون ثلاثة ملايين ليرة الواحدة ( يعني حوالي ١٥٠٠ يورو) و ذاك من ثلاثين عاما، اي انها كانت غالية جدا. و كانوا يستعملون واحدة او اثنين او حتى ثلاثة للمريض الواحد، ثم يرمونهم في الزبالة. و فكرت في الآلاف من أطفال و شباب مصر الذين يعانون من ضيق في الصمام الميترالي بسبب الحمى الروماتيزمية ( و التي أصابتني انا ايضا في طفولتي و لكنها لم تؤثر على قلبي لحسن الحظ).

فكرت لماذا لا تغسل هذه القساطر المستعملة ثم تعقم و ارسلها لمصر ليعاد استعمالها. و بالفعل تحدثت لرئيسة الوحدة و و افقت. و تطوعت، وسط دهشتي، نفس الممرضة التي كنت اعتقد انها غليظة القلب لمساعدتي في الغسل و التعقيم. و و فعلا كنا نضع القساطر المستعملة في حوض ملئ بالمياة المخلوطة بمطهر قوي لمدة ليلة . ثم في الصباح نضعهم تحت مياة جارية من الحنفيات لساعتين او ثلاثة، ثم نفحصهم للتأكد من عدم وجود جلطات دموية صغيرة، فكنا نجد جلطات دم صغيرة فنعيد العملية مرة اخرى. ولكن بلا نجاح فأدركنا ان الخلاص من هذه الجلطات لن يتأتى الا بالكحت الداخلي و الخارجي لهم مما يؤدي بالطبع لتجريحها و تلفها. و عرفت من الشركة المنتجة بعد ذلك ان اعادة تعقيم البالونة، و لو حتى على البارد بواسطة غاز مطهر، سوف يؤدي غالبا لتغير خصائصها و تفقد بذلك صلاحيتها. فهجرت هذه الفكرة و انا في غاية الأسف و الغضب و الحزن.

و ادركت في هذه الوحدة مدى الإسراف و التبذير في النظام الصحي الايطالي. كانوا يستعملون القساطر الغالية جدا باستهتار ، و في بعض المرضى كنت ارى هذه التي استعملت و لم تؤدي الغرض منها مكومة بين قدمي المريض على الطاولة و كأنهم طبق اسباجتي. و قلت في نفسي قد يكون هذا طبيعي، فنحن في إيطاليا بلد الإسباجتي، و كلمة الاسباجتي معناها حرفيا في اللغة الايطالية "الحبال الرفيعة".

و ادركت بعد ذلك ان هذه الممرضة الفظة هي إنسانة عطوفة جدا، و انها لم تلد أطفالا لأسباب صحية، و ان زوجها مقعد و مريض بالقلب و انها انقذت حياته مرة بضربة على صدره بقبضة يديها عندما توقف قلبه قائلة له "عد الى الحياة أيها الجبان" ، على حسب حكايتها هي.

و عرفت اننا لا يجب ان نحكم على الناس أبداً بحسب ما يقولون ، سواء كان كلامهم جميلا او قبيحا، بل على افعالهم. و هذا صعب في بعض الأحيان لان بعض الكلام يجرح بشدة و يترك أثراً غائراً في نفس من تلقاه حتى و ان قيل بنية طيبة. هناك الكثير من الناس ذوي ألفاظ ثقيلة دائما و عشرتهم مؤلمة رغم طيبة قلوبهم و حسن نيتهم، و هؤلاء يخسرون اعز الناس اليهم بسبب عدم تحكمهم في لسانهم. لا يجب ان تقول لاحد " خد بالك من طريقك يا اعمى" فالأعمى سيشعر بالإهانة رغم انك حذرته من ضرر الاصطدام بشئ لا يراه. او تقول لواحد على نياته "خذ بالك لحسن يضحكوا عليك لانك عبيط"، و هكذا.

التحذير بلهجة و ألفاظ فظة هو إهانة. والنصيحة اذا لم تطلب فهي إهانة.

و بعد إتمام القسطرة كان علينا ان نضغط بقوة لمدة ساعة او اكثر على موضع دخولها في الشريان الفخذي و ذلك لمنع النزيف. كنا نتبادل على الضغط بسبب الألم و التقلص اللذان كانتا يصيبان اليدين. و كان ذلك من أرخم المهمات في هذه المهنة رغم أهميته القصوى. و مؤخرا اصبح الأطباء يستخدمون مادة رغوية توضع على الشريان و تسده في ثوان قليلة مانعة اي نزيف بدون اللجوء للضغط على الشريان .

و من المدهش معرفة ان جدار الشريان قوي جدا و يتحمل ضغط البالون عليه، بدون ان يتمزق، حتى ضغط قد يبلغ ١٥ او ٢٠ ضعف الضغط الجوي (اتموسفير)، و هو ضغط عالي جدا اذا قورن بضغط عجلات سيارات الركاب الذي لا يزيد عن ٢.٥ الى ٢.٨ اتموسفير.

و في آخر احد الأيام أردت ان اتمم خطاب لأبي لارميه في صندوق بريد المستشفى قبل ذهابي للبيت، و جلست اكتب باقي الخطاب على واحدة من طاولات الوحدة. و بينما انا منهمك في الكتابة سمعت صوت هذه الممرضة الضخم و هي تقول "انه يكتب مثل ليوناردو دافنشتي" و إلتفت لأرى جميع من في الوحدة فوق رأسي و هم يحملقون في الورقة التي اكتب عليها و في نظراتهم بريق من يرى أعجوبة من أعاجيب الزمان.

كانوا يتأملون كتابتي باللغة العربية و على وجوهم "سهم الله".

و فعلا كان ليوناردو دافنتشي يكتب، باللغة اللاتينية، كل خططه و مسودات اختراعاته ، و لكن بحروف مقلوبة و من اليمين للشمال، حتى لا يسرق احد أفكاره.

استطلاع الرأي

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 3,566 شراء 3,589
عيار 22 بيع 3,269 شراء 3,290
عيار 21 بيع 3,120 شراء 3,140
عيار 18 بيع 2,674 شراء 2,691
الاونصة بيع 110,894 شراء 111,605
الجنيه الذهب بيع 24,960 شراء 25,120
الكيلو بيع 3,565,714 شراء 3,588,571
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الجمعة 07:26 مـ
15 جمادى آخر 1447 هـ 05 ديسمبر 2025 م
مصر
الفجر 05:04
الشروق 06:36
الظهر 11:45
العصر 14:36
المغرب 16:55
العشاء 18:17