الدكروري يكتب : مصر بلد الأمن والأمان
بقلم : محمد الدكـــرورى
لقد وصى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، بأهل مصر، خيرا، فعن أبي ذر الغفارى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما " وإن من وقت أن فتحت مصر وأصبحت هى قلعة الإسلام الأولى لصد أي عدوان على العالم الإسلامي، وكيف لا وقد أوصى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، فعن عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيرا، فذلك الجند خير أجناد الأرض، فقال له أبو بكر الصديق رضى الله عنه " ولم يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم " لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة"
وقد أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وقد ذكر الله تعالى مصر في أربعة مواضع في كتابه الكريم، وفي ذلك تشريف لها وتكريم، فقال عز وجل فى سورة يوسف (وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته) وقال سبحانه وتعالى فى سورة يوسف ( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) وقال تعالى فى سورة يونس (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة) وقال تعالى قاصاً قول فرعون فى سورة الزخرف ( أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي) وذكرها الله سبحانه وتعالى، إشارة في مواضع عديدة تبلغ قرابة الثلاثين، وذلك نحو قوله تعالى (وقال نسوة في المدينة) فى سورة يوسف، والمدينة هي مصر، وقوله تعالى (ودخل المدينة على حين غفله من أهلها) فى سورة القصص.
والمدينه هى مصر، وقد وصف الله سبحانه وتعالى أرض مصر أحسن وصف فقال تعالى فى سورة الدخان (كم تركوا من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فكهين، كذلك وأورثنها قوماً ءاخرين ) وأيضا قد وُصفت مصر في القرآن الكريم، بأنها خزائن الأرض فقال سبحانه وتعالى، قاصاً قول يوسف عليه الصلاة والسلام (قال اجعلني على خزائن الأرض) وما ذلك إلا لكثرة خيراتها، وعظم غلاتها، وجودة أرضها، وخزائن الأرض هنا وزارة مالية مصر والتى تعد خزائن الأرض كما ذكر الله عز وجل، فقيمة مصر فى ذلك الوقت تعادل الكوكب الأرضي بأسره، وأيضا فإنه لم يذكر نهر من الأنهار في القرآن الكريم، سوى النيل، وذلك في قوله سبحانه وتعالى.
(وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم) والمفسرون على أن المقصود باليم هنا هو نيل مصر، وأما إذا تكلمنا على الأمن والأمان فإن بيت الله الحرام أفضل بقعة على وجه الأرض، فقد اختارها الله تعالى، من بين سائر البقاع، ولقد اختاره الله عز وجل، حرما لنبيه المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، وموضعا لأداء نسكه، وأوجب على المسلمين على كل مسلم قادر زيارة هذا البلد الأمين في عُمره مرة، وهى زيارته والطواف به، وألزم المسلمين احترامه، فلا يدخلونه إلا خاضعين متذللين متجردين من لباس الدنيا تعظيما لهذا البيت، فجعل أداء النسُك ركنا من أركان الإسلام، فمن أتاه حاجا أو معتمرا فلا يدخله إلا محرما من المواقيت التي حددها الشارع لذلك.
ولقد جعل الله هذا البيت مثابة للناس، ومثابة لهم بمعنى، يثوبون إليه ويقصدونه ولا يقضون منه وطرا، وكان كلما أتوه تأكد تعلق قلوبهم به، وازدادت محبتهم له، وقد جعله الله عز وجل آمنا، وقد جعله الله عز وجل حرما آمنا، وأوجب على كل مسلم احترام أمن هذا البلد، أوجب على كل مسلم أن يحترم أمن هذا البلد، وأن يعرف لهذا البلد مكانه وفضله، فهو حرم الله، مهوى أفئدة المسلمين، فلا بد أن يكون حرما آمنا، فأوجب الله احترام أمنه، وجعل ذلك دينا يدين العبد بذلك لربه، ولقد كان الخليل إبراهيم عليه السلام، عندما فرغ من بناء البيت سأل الله تعالى، لهم هذه النعمة، فسأل الله تعالى، لهم الأمن قبل أن يسأله لهم الرزقَ، ولهذا جاء أمنه عاما للإنسان والحيوان وحتى الطير، ويقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
صبيحة اليوم الثاني من أيام الفتح وهو قتح مكه، خاطبا في الناس مبيِّنا لهم فضل هذا البلد الأمين "إن الله حرم هذا البلد يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، ولم يحلَّ القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحلّ لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يُعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا تلتقط لقطته، ولا يُختلى خلاه"، وفي لفظ قال: "وإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا " إن الله أحلَها لنبيه ساعةً من نهار، ثم عادت حرمتها كما كانت" وهكذا الإسلام يُعظم أمن هذا البيت، ويوجب على المسلم احترام أمنه، ويخبرنا ربنا تعالى أن من هم في هذا البيت بمعصية فإن الله يُعاجله بالعقوبة بمجرد همّه وإن لم يفعل، فمجرّد إرادة الإلحاد فيه بالظلم والعدوان فيه.
فإن الله يذيقه العذاب الأليم، وكان ذلك لأنه أخل بأمن هذا البلد الأمين، وقد جعل الله تعالى أمن هذا البلد وقصده بالحج والعمرة سببا لقيام الناس وأمنهم من العذاب العظيم، ومن خصائصه أنه خير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، وكان لما أراد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الهجرةَ من مكة إلى المدينة وقف قليلا عند الحزوَّرة وقال صلى الله عليه وسلم " والله، إنك لخير أرض الله، وإنك أحبّ أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجتُ منك ما خرجت"، وفي لفظ قال: "ما أطيبك وما أحبَّك إلى الله، ولولا أني أُخرجتُ منك ما سكنت بلدا غيرك، ومن خصائص هذا البلد الأمين أن الصلاة فيه مضاعفة بمائة ألف صلاة فيما سواه، حيث يقول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
" صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام خير من صلاة في مسجدى بمائة مرة " وهذا هو بيت الله الحرام وهو البلد الأمين وأما إذا تحدثنا عن مصر أم الدنيا، فنقول أنه قد قيل أنه أهدي إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، منها العسل، فقال صلى الله عليه وسلم، من أين هذا؟ فقيل له من قرية بمصر يقال لها بنها، فقال صلى الله عليه وسلم " اللهم بارك في بنها وفي عسلها " فكان عسلها إلى يومنا هذا خير عسل مصر، وكان ذلك لما كتب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس صاحب مصر فأجابه عن كتابه جوابا جميلا، وأهدى إليه ثيابا وكراعا وجارتين من القبط، مارية بنت شمعون وأختها سيرين بنت شمعون، وقد أهدى إلى النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أهدى إليه عسلا فقبل هديته، وتسرى مارية، فولدت له ابنه إبراهيم، وأهدى أختها لحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن بن حسان، وسأل عليه صلى الله عليه وسلم عن العسل الذي أهدي إليه، فقال من أين هذا؟ فقيل له من قرية بمصر يقال لها بنها، فقال: ” اللهم بارك في بنها وفي عسلها " ولكن هناك إيضاح عن سؤال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عن العسل الذي أهدي إليه، ودعاؤه للقرية المذكورة التى يقال عنها بنها، فهذا أمر لا يثبت عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن قد رواه ابن معين في تاريخه، من طريق ليث عن ابن شهاب قال " بارك النبي الكريم محمد صلى الله عليه و سلم في عسل بنها "
وقد ذكره الشيخ الألباني رحمه الله في الضعيفة، من هذا الطريق وقال أنه منكر، وهذا إسناد مرسل ضعيف، وقد قيل أن ابن لهيعة كان قد احترقت كتبه واختلط، وانظر إلى تهذيب التهذيب، وقد كان يزيد بن أبي حبيب من صغار التابعين، فالحديث في الدعاء لبنها، أو فضل عسلها، قيل لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما عن البساتين والأشجار التي على نهر النيل، فكانت البساتين بحافتي النيل من أوله إلى آخره ما بين أسوان إلى رشيد لا تنقطع، ولقد كانت المرأة تخرج حاسرة ولا تحتاج إلى خمار لكثرة الشجر، وحتى قيل أنه لقد كانت المرأة تضع المكتل على رأسها فيمتلئ مما يسقط به من الشجر وهى تسير تحته، وأما من كان بها من الصحابة، فقد ذكر أهل العلم والمعرفة والرواية أنه دخل مصر.
في فتحها ممن صحب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، أكثر من مائة رجل وقال يزيد بن أبي حبيب، فقد وقف على إقامة قبلة المسجد الجامع ثمانون رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما ما يعجب من رونق منظرها، فذكر عن كعب الأحبار أنه قال من أراد أن ينظر إلى شبه الجنة، فلينظر إلى مصر وإذا أخرفت وإذا أزهرت، وإذا اطردت أنهارها، وتدلت ثمارها، وفاض خيرها، وغنت طيرها، وعن عبد الله بن عمرو قال، من أراد أن ينظر إلى الفردوس فلينظر إلى أرض مصر حين تخضر زروعها، ويزهر ربيعها، وتكسى بالنوار أشجارها وتغنى أطيارها، وأما عن وصف أهلها، فقد قال عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما، أن أهل مصر أكرم العرب كلهم، وأسمحهم يدا. وأفضلهم عنصرا، وأقربهم رحما بالعرب عامة، وبقريش خاصة، وقال وهو يصفها لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، مصر درة ياقوته لو استخرج السلطان كنوزها لكفت الدنيا بأسرها، ويكفى أن السيده هاجر زوجة الخليل إبراهيم عليهما السلام، وهي أم إسماعيل جدّ نبينا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، كانت مصرية من القبط، وأيضا السيده مارية أم ولده إبراهيم فقد كانت مصرية أيضا، ولذلك قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، قبط مصر هم أخوال قريش مرتين، وقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم "إنكم ستفتحون مصر، أحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحما" رواه مسلم، فهي وصية للأمة كلها، فعلى كل من تعامل مع المصريين أن يُحسن إليهم، وأن يكرمهم. وأن يعرف قدرهم، وأن يقف معهم عند حاجتهم، وأن ينصرهم عندما يؤذون، وأن الهدية إليهم من أفضل الهدايا، ولم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم، بمدح مصر وأهلها، بل أمر بالإحسان حتى إلى أقباطها، فقال صلى الله عليه وسلم، " الله الله في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عُدة وعونا في سبيل الله" رواه الطبراني وصححه الألباني، وفي أرض مصر يجري نهر النيل المبارك الذي قيل عنه أنه ينبع من أصله من الجنة، وقد قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم " سيحان وجيحان والفرات والنيل، كل من أنهار الجنه " رواه مسلم ، وفي أرض مصر الربوة التي أوى إليها نبى الله عيسى عليه السلام، وأمه السيده مريم، فقال الله عز وجل فى سورة المؤمنون.
( وجعلنا ابن مريم وأمه آبة وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) وعلى أرض مصر ضرب نبى الله موسى عليه السلام، بعصاه الحجر فانفجر الماء منه، وانشق البحر له، فكان كل فرق كالطود العظيم، ويكفي المصريات فخرا أن المرأة الصالحة التي كانت ماشطة لبنت فرعون كانت مصرية، وقد قال نبينا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام " لما كانت الليلة التي أسري بي فيها وجدت رائحة طيبة، فقلت: ما هذه الرائحة الطيبة يا جبريل؟ فقال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها" وإن أهل مصر هم من ألين الناس تعاملا، وأحسنهم أخلاقا وأدبا، وقد قال تاج الدين الفزاري "من أقام في مصر سنة واحدة وجد في أخلاقه رقة وحسنا" وقال ابن ظهيرة عن أهل مصر " حلاوة لسانهم، وكثرة ملقهم.
ومودتهم للناس، ومحبتهم للغرباء، ولين كلامهم، وحسن فهمهم للشريعة، مع حسن أصواتهم، وطيب نغماتهم وشجاها، وطول أنفاسهم وعلاها، فمؤذنوهم إليهم الغاية في الطيب، ووعاظهم ومغنوهم إليهم المنتهى في الإجادة والتطريب، ونساؤها أرق نساء الدنيا طبعا، وأحلاهن صورة ومنطقا، وأحسنهن شمائل، وأجملهن ذاتا، وما زلت أسمع قديما عن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، ولم أره منقولا، أنه قال: من لم يتزوج بمصرية لم يكمل إحصانه" ولقد سكن مصر بعد فتحها جماعة من أصحاب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، حتى إنه لما أحصي عدد الصحابة الذين دخلوا مصر أو سكنوا فيها أو زاروها أو حكموها أو دفنوا في ترابها تعدوا خمسين وثلاثمائة صحابيا كلهم دخلوا مصر.
ومنهم من جاء رسولا إليها أو حاكما أو مجاهدا أو معلما، وكان منهم عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي السرح، وعبد الله بن عمرو، وكلهم ولي إمارة مصر، ومنهم جابر بن عبد الله بن حرام، والزبير بن العوام، وعبد الله بن الزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عباس، وعمار بن ياسر، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو ذر الغفاري، وأبو الدرداء، وأبو هريرة، وعبد الله بن الحارث الزبيدي، وهو آخر صحابي مات بمصر، ثلاثمائة وخمسون صحابيا وهؤلاء كانوا أبرزهم، ولكن، كلهم قد سكنوا مصر أو زاروها، وقيل أنه في مصر ولد خامس الخلفاء الراشدين وهو عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، وإذا تكلمنا عن مصر فإننا نتكلم عن بلاد العلماء الذين وصل أثرهم إلى كل الدنيا.
منهم صحابة كرام، وتابعون أعلام، منهم الليث بن سعد وهو إمام المصريين، الذي قيل عنه: إنه كان أعلم رجال عصره، ومهم القارئ " ورش"، فإذا سمعت من يقول: "على قراءة ورش" فاعلم أنه المصري، واليوم أكثر أهل إفريقيا والمغرب يقرؤون بقراءة هذا المصري، ومنهم الإمام المحدث عبد الله بن لهيعة، ومنهم الإمام الشافعي، وله طلاب مصريون كثيرون، ومنهم سعيد بن كثير وكان إماما عالما، وقال عنه يحيى بن معيض إمام الجرح والتعديل لما سئل عن مصر، قال "رأيت في مصر ثلاث عجائب، النيل، والأهرام، وسعيد بن كثير، ومنهم عبد الملك بن هشام وهو صاحب السيرة النبوية المشهورة، ومنهم الإمام الطحاوي الذي ألّف العقيدة الطحاوية التي تدرس اليوم في كل العالم.


















