من سجلات أكتوبر ......... بقلم رامي علم الدين
كتب : رامي علم الدين
"اخلع نعليك قبل أن تطأ ترابها"
فتراب سيناء من رفات أولادها ! لا ننسى جنود مصريون في حرب 1967 دفنهم اليهود أحياء، معصوبي العينين في تراب سيناء المقدسة، رغم التطبيع وإقامة العلاقات، إلا أن الشعب المصري باقي في وجدانه، ومعتقداته انها مجرد حبر على ورق منذ 1979 وحتى الآن، بيننا وبينهم دم ولنا عندهم ثأر لن يموت مصر ولاّدة.
73 كانت البداية.. واحدة من بين مئات القصص التى أبرزت شجاعة الجندي المصري، قصة من سجلات أبطال السادس من أكتوبر المجيد، والتي خلدت شجاعة هذا الجندي والتي ظل لا أحد يعلم عنها طوال 23 سنة كاملة حتى نشرتها وكالات الأنباء العالمي تحت عنوان (أسد سيناء). كان سيد زكريا قد أعتبر من المفقودين فى الحرب 1973، وفى العام 1996 أعترف جندي إسرائيلي لأول مرة للسفير المصري في ألمانيا بأنه نجح في قتل الجندي المصري سيد زكريا خليل، مؤكدًا أنه مقاتل فذ وأنه قاتل حتي الموت، قبل أن يتمكن من قتل 22 إسرائيلياً بمفرده. وسلم الجندي الإسرائيلي متعلقات البطل المصري إلى السفير وهي عبارة عن السلسلة العسكرية الخاصة به إضافة إلى خطاب كتبه إلى والده قبل إستشهاده، وقال الجندي الإسرائيلي أنه ظل محتفظاً بهذه المتعلقات طوال هذه المدة، وأنه بعدما نجح فى قتله قام بدفنه بنفسه وأطلق 21 رصاصة فى الهواء تحية الشهداء.
تبدأ قصة الشهيد بصدور التعليمات في أكتوبر 73 لطاقمه المكون من 8 أفراد بالصعود إلي جبل (الجلالة) بمنطقة رأس ملعب، وقبل الوصول إلى الجبل إستشهد أحد الثمانية في حقل ألغام، ثم صدرت التعليمات من قائد المجموعة النقيب صفي الدين غازي بالإختفاء خلف إحدي التباب وإقامة دفاع دائري حولها علي إعتبار أنها تصلح لصد أي هجوم، وعندئذ ظهر إثنان من بدو سيناء يحذران الطاقم من وجود نقطة شرطة إسرائيلية قريبة في إتجاه معين وبعد إنصرافهما زمجرت 50 دبابة معادية تحميها طائرتان هليكوبتر وإنكمشت المجموعة تحبس أنفاسها حتي تمر هذه القوات ولتستعد لتنفيذ المهمة المكلفة بها. وعند حلول الظلام وبينما يستعدون للانطلاق لأرض المهمة، ظهر البدويان ثانية لإخبار النقيب "غازي" أن الإسرائيليين قد أغلقوا كل الطرق، ومع ذلك وتحت ستار الليل تمكنت المجموعة من التسلل إلي منطقة المهمة بأرض الملعب وإحتمت بإحدي التلال وكانت مياه الشرب قد نفذت منهم فتسلل الأفراد أحمد الدفتر، وسيد زكريا، وعبدالعاطي، ومحمد بيكار، إلي بئر قريب للحصول علي الماء، حيث فوجئوا بوجود 7 دبابات إسرائيلية فعادوا لإبلاغ قائد المهمة باعداد خطة للهجوم عليها قبل بزوغ الشمس، وتم تكليف مجموعة من 5 أفراد لتنفيذها منهم سيد زكريا وعند الوصول للبئر وجدوا الدبابات الإسرائيلية قد غادرت الموقع بعد أن ردمت البئر، وفي طريق العودة لاحظ الجنودالخمسة وجود 3 دبابات بداخلها جميع أطقمها، فاشتبك سيد زكريا وزميل آخر له من الخلف مع اثنين من جنود الحراسة وقضيا عليهما بالسلاح الأبيض وهاجمت بقية المجموعة الدبابات وقضت بالرشاشات علي الفارين منها، وفي هذه المعركة تم قتل12 إسرائيليا، ثم عادت المجموعة لنقطة إنطلاقها .. غيرأنها فوجئت بطائرتي هليكوبتر تجوب الصحراء بحثاً عن أي مصري للإنتقام منه، ثم إنضمت إليهما طائرتان أخريان وإنبعث صوت عال من إحدي الطائرات يطلب من القائد غازي تسليم نفسه مع رجاله.
وقامت الطائرات بدعم عدد من الجنود الإسرائيليين بالمظلات لمحاولة تطويق الموقع وقام الجندي حسن السداوي باطلاق قذيفة (آر.بي.جي) علي إحدى الطائرات فأصيبت وهرع الإسرائيليون منها في محاولة للنجاة حيث تلقفهم سيد زكريا أسد سيناء برشاشه وتمكن وحده من قتل22 جندياً، واستدعي الإسرائيليون طائرات جديدة أبرت جنوداً بلغ عددهم مائة جندي أشتبك معهم أسد سيناء وفى هذه اللحظة استشهد قائد المجموعة النقيب صفي الدين غازي بعد رفضه الاستسلام، ومع استمرار المعركة غير المتكافئة استشهد جميع أفراد الوحدة واحداً تلو الآخر ولم يبق غير " أسد سيناء" مع زميله أحمد الدفتار في مواجهة الطائرات وجنود المظلات المائة، حيث نفدت ذخيرتهما ثم حانت لحظة الشهادة وتسلل جندي إسرائيلي خلف البطل وافرغ فى جسده الطاهر خزانه كاملة من الرصاصات ليستشهد على الفور ويسيل دمه الذكي علي رمال سيناء الطاهرة بعد أن كتب أسمه بأحرف من نور في سجل الخالدين.
وإذا كان سيد زكريا قد إستحق عن جدارة التكريم، فالواقع أن المجموعة كلها برئاسة قائدها لم تكن أقل بطولة وفدائية، فهم جميعهم أسود سيناء ومصر لاتنسي أبدا أبناءها، وقد كرمت مصر أبنها البار،فتم منحه نوط الشجاعة الأولي، كما أطلق إسمه على أحد شوارع حي مصر الجديدة . عادة ما تنتهي الحرب ويتصافح القادة، ويتم تبادل المعاهدات، وكتابات السلام، ومنح الزعماء الجوائز العالمية «نوبل للسلام»، وغيرها من الجوائز التي فقدت الكثير من مصداقيتها، وتبقى تلك العجوز تنتظر ولدها الشهيد البطل، وتلك المرأة تنتظر زوجها الحبيب، وأولئك الأطفال ينتظرون أباهم ، للأسف لا نعلم من فرط في الوطن، ولكن نري من دفع الثمن.


















