سوء الظن وتدهور العلاقات
كتب : م.أشرف الكرم
نرصد كثيرًا من الخلافات والمشاحنات التي تظهر على السطح فجأة، بين الأصدقاء والأقرباء والزملاء، مما يجعل العلاقات بينهم صعبة أو مستحيلة، وفي كثيرٍ من الأحيان تحتدم الأمور لتصل إلى المحاكم وأقسام الشرطة وأكثر.
وإذا ما اقتربنا من الصورة شيئا ما، فسنجد أن صفةً مقيتة هي التي وراء فساد العلاقات وتدهورها كنتيجةٍ حتمية لتلك الصفة الخبيثة ألا وهي سوء الظن.
ويظل سوء الظن في الآخرين من البلايا التي ابتليت بها مجتمعاتنا العربية على وجه الخصوص، ويُغرِقُ فيها مجتمعنا المصري بشكل كبير، مما يجعل الاختلافات العادية تكبر وتتفاقم لتصير خلافات عميقة قد لا نصل بها إلى أي حلول.
وتبدأ منظومة "سوء الظن" فكرة صغيرة سيئة عن الآخر، ثم لا تلبث أن تصير كبيرة، ككرة الثلج في نموها الهستيري وأيضا السرطاني، بشكل غير منضبط في السلوك وردود الفعل ونتائجه بين الناس.
وكم أحدثت تلك الخصلة المقيتة من تصدعاتٍ عميقة بين الزملاء في إدارات العمل وبين إداراتهم، وكم لمسناها في إدارات الكيانات العامة على وجه الخصوص أيضا، وتكبر النتائج وتضر كثيرًا حين نسمح بتناقل الأخبار التي تنبني على سوء الظن عن القائمين على إدارة تلك الكيانات العامة، دونما تحقق أو توثيق.
ومن المعلوم أن الاختلافات هي سنة كونية لن تزل، ويحدث سوء الظن أكثر ما يحدث حين الاختلاف في الرؤى أو وجهات النظر أو عند الاختلافات المادية، ولذلك يلزمنا التريث كثيرًا عند وقوعنا في الاختلاف مع الآخرين، ولنتدرب على أن أي سوء ظن وأي اتهامات تتعلق بمن نختلف معهم، إنما هي نتاج الاختلاف وليست على الحقيقة.
إن سوء الظن في الآخر يمثل تفكيرنا نحن وليس الآخر، بمعنى أن الفعل الذي أراه أمامي وأسيء فيه الظن، إنما يكون تمثيلًا لما أفكر فيه أنا وليس غيري، وعلى الفورِأُسقِط تفكيري هذا على غيري في حالة من الظلم والتعدي عليه من خلال أفكاري.
ويكون لزامًا على الآباء أن يلاحظوا تلك الصفة -المدمرة للعلاقات الإنسانية بين الناس- في أطفالهم، وأن يقوّموها إن وجدوها في أبنائهم، بل وأكثر من ذلك بأن يمارسوا حالة مصطنعة من سوء الظن ويبينوا فيها ظلم الذي ظننا فيه السوء، كي تكون دروسًا عملية تتمكن من عقولهم صغارًا، وتحميهم من الوقوع فيها كبارًا.


















